عند حدوث أمر يغضبني أصاب بأعراض نفسية، فهل هو مس؟

2025-10-13 00:38:52 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم الإفادة.

حصلت مشكلة بيني وبين زوجي، يومها بكيت كثيرًا، تصالحنا، ولكن بقيت ثلاثة أيام أبكي بشكل متواصل بدون سبب، وكنت أحزن وأشعر بالخنقة عندما أسمع سورة البقرة، لدرجة أني صرخت وأحسست بتنميل في ذراعي الأيسر، وكنت أشعر بأن حرارة تخرج من قدمي.

ذهبت لامرأة "راقية"، فقالت لي: "هذا مس زعل"، وأرشدتني لـرجل "راقٍ" أمرني أن أستحم بماء مقروء بسورة البقرة، وأدهن بزيت النعناع، تحسنت بعدها، ولكن من أقل غضب أو شيء يضايقني تسوء حالتي، عندما عدت إليه لأطمئن، قال لي إن المس ذهب بنسبة ٦٠ بالمائة، وبسبب حساسيتي الزائدة قال إن استجابتي بطيئة، خرجت من عنده فزادت أعراض جديدة، مثل سرعة ضربات القلب، وصداع بالجهة اليسرى، مع الصلاة والقرآن زال الصداع وأحسست بتحسن، ولكن من بعد المغرب أشعر بخوف وتوتر وقلق، ومع أي صراخ أو أي مشكلة مع زوجي أشعر بضربات قلبي تزداد، مع العلم أنني لم أكن أشعر بمثل هذه الأعراض من قبل!

هل ذلك من أعراض المس؟ وهل تبقى له آثار نفسية بعد خروجه؟ أنا لم أعد أشعر بفرحة أي شيء كالسابق؛ الخوف والقلق والتوتر يسيطرون عليَّ، وأول مرة أتعرض لمثل هذا المس، وهذا يشعرني بالخوف والضعف، مع أني خاتمة لكتاب الله ومُنتظمة في الصلاة، ولكن كنت أفوتُ الأذكار والرقية.

أتمنى إجابة لكل سؤال ليطمئن قلبي.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًّا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

ما تجدينه من تغيّر في حياتك أمر قدّره الله عليكِ قبل أن يخلقكِ، كما قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدَّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟، قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ حتى العجز والكيس)، والكيس هو الفطنة.

الجزاء يكون على قدر البلاء، وإن عظم الجزاء مع عظم الابتلاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)، فعليكِ أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذارِ أن تتسخطي، وإلا فالجزاء من جنس العمل.

البكاء الطويل، والتنميل، والضيق الذي تمرين به، وخاصة عند سماع سورة البقرة، وارتفاع حرارة الأطراف، والخوف، والتوتر، له تفسيران:

الأول: قد تكون هذه علامات تأثّر بالمس، أو العين، أو الحسد، خاصةً أنها حدثت بعد مشاحنةٍ وانفعالٍ شديدين؛ لأن النفس تكون حينها ضعيفة، وهي من الحالات التي تكون سببًا لتسلّط الشيطان على الإنسان، ومع هذا فلا نستطيع الجزم بوجود المس إلا بقرائن واضحة وبينة.

الثاني: قد تكون المشكلة عندكِ نفسية، وهي حالة تحدث عند الشجار وتوتر الأعصاب، وعدم انتصار الشخص لنفسه، وشعوره بالظلم والضيم؛ فيحدث عنده بعد ذلك ضيق في الصدر وبكاء واختناق، ويتسبب ذلك بارتفاع نبضات القلب، ويحدث له قلق في أوقات معيّنة، وخاصة في نفس الأوقات التي حدثت فيها المشكلة السابقة، وهذا ما يسمّيه الأطباء النفسيون (نوبة القلق الحاد، أو اضطراب الهلع، أو ما بعد الصدمة)، وهذا لا يفسَّر بأن إيمانكِ ضعيف، بل هي تفاعلات طبيعية للنفس والجسم بسبب الصدمة والضغط النفسي الكبير.

قول الراقي إن المس "ذهب بنسبة 60٪" لا دليل عليه؛ لأن المس لا يُقاس بالنِّسَب، بل يُعرف بزوال الأعراض واستقرار النفس، فلا تعلقي نفسك بهذه النسبة، ولا تجعليها تزيد قلقك.

في حال حدوث مسٍّ في أي إنسان، فإن المس قد يزول مباشرة وتزول آثاره، وقد تبقى بعض الآثار، مثل: الخوف والقلق؛ لأنها ليست من المس وإنما هي آثار نفسية، فتزول تدريجيًّا، مع المواظبة على الأذكار والرقية الشرعية، وهذا ما يفسر تحسّنك عند قراءة القرآن وعودة الأعراض عند الانفعال، لأنكِ لم تستعيدي بعدُ توازنك النفسي.

فقدان الشعور بالفرح ليس بالضرورة دليلًا على بقاء المس، بل هو أمر شائع في حالات القلق والاكتئاب البسيط، وقد يكون نتيجةً للخوف المستمر والتعب النفسي.

وجود التحسن أثناء الصلاة وتلاوة القرآن علامة طيبة، لأن ذكر الله يطمئن القلب، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وطمأنينة القلب تهدئ الأعصاب، وبالتالي تعيد للجسم توازنه العصبي، فاستمري بتلاوة القرآن واستماعه.

نوصيكِ بتقوية توكلكِ على الله تعالى؛ لأن من ثمار التوكل أن الله يكفي العبد من كل ما أهمّه، كما قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).

نوصيكِ بكثرة وتنويع الطاعات والعبادات؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

حافظي على أذكار اليوم والليلة في أوقاتها، فاقرئي أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وأذكار المساء بعد صلاة العصر أو المغرب، وحافظي على أذكار النوم؛ ففي ذلك حرز من الشيطان ومن كل شر -بإذن الله تعالى-.

احرصي على أن تأخذي قسطًا كافيًا من النوم، وابتعدي في هذه الفترة عن المنبهات، وأكثري من المشروبات التي تهدئ الأعصاب، كالنعناع، وشراب القرنفل.

لا مانع أن تعرضي نفسك على طبيبة نفسية موثوقة، فربما كنتِ تعانين من قلقٍ تفاعلي أو اكتئابٍ بسيط، يحتاج فقط لجلسات دعم أو علاجٍ بسيط يعيد لكِ التوازن، فالأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل ولا يتصادم مع الإيمان.

احرصي على تحسين العلاقة مع زوجكِ، وابتعدا عن الانفعالات والجدل، وصارحي زوجكِ بما تشعرين به بأسلوبٍ لطيف دون اتهام أو لوم، واطلبي منه دعمكِ النفسي في هذه المرحلة حتى تشعري بالأمان العاطفي وتخرجي من الحالة التي أنتِ فيها.

لا تعطي نفسكِ أي رسالة سلبية، بل أعطيها الرسائل الإيجابية، فأنتِ قوية ولستِ ضعيفة، واعلمي أن ما تمرين به سحابةُ صيفٍ عما قريبٍ تنقشع وتشفين -بإذن الله-، واستبشري بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً، علمه من علمه، وجهله من جهله).

تضرّعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وخاصة في الثلث الأخير من الليل وأثناء السجود، وسلي ربكِ أن يشفيكِ ويذهب عنك ما تجدين، وكوني على يقينٍ أن الله تعالى سيستجيب لكِ.

أكثري من دعاء الكرب: (لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم).

وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوةُ ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له).

وأكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ومغفرة الذنوب، وجلب القوة الحسية والمعنوية للأبدان، كما قال هودٌ لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسأل الله تعالى لكِ الشفاء العاجل، ونسعد بتواصلكِ.

www.islamweb.net