معاناتي مع أهلي وصديقات السوء، كيف أتجنب أذاهم؟

2025-10-13 02:58:49 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عذرًا لإرسالي أكثر من رسالة لكم، ولكن لم يتم الرد عليَّ في أيٍ منها، وأعلم أنكم مشغولون كثيرًا، إلَّا أنكم السبيل الوحيد لي، وليس لي أصدقاء أثق بهم، ولا حتى أهل أتكلم معهم عما بداخلي، فأرجو منكم الرد، فقد ضاقت بي الدنيا كثيرًا.

أريد أن يوفّقني الله في كل أموري، أريد أن يوفقني الله في عملي، فأنا محاطة بالكثير من أصحاب النفوس الخبيثة، والنوايا السيئة، الذين يدبرون المكائد لبعضهم البعض، ويكرهون بعضهم، وزميلات العمل يشعرن بالغيرة الشديدة تجاهي؛ لأنني أكثر تقدمًا وخبرة منهنَّ، أرجو أن يحصّنني الله من شرهم، كذلك أريد أن يوفقني الله في دراستي، فأنا أتمم الدراسات العليا، ولكن عندما يعلم أحد بأي خطوة من خطوات تقدمي يحقدون علي، وبالتالي تتعثّر مسيرتي، ومع ذلك أستمر بحسن نية في عملي، وللأسف إذا لم أُعلن عن تقدمي وأعمل سرًا، يتهمونني باللؤم والخبث! وأحيانًا أضطر لإخبارهم بوجودي في الجامعة بسبب بعض الغيابات في العمل، وبعد ذلك أجد تعطيلًا فيما أقوم به.

ثالثًا: في حياتي الاجتماعية: ليس لدي أصدقاء حقيقيون، كان لدي صديقة منذ أكثر من 25 عامًا، وبعد زواجها لم تعد تتحدث معي، وحتى لو تواصلت، تخاف أن تقول أي شيء خوفًا من الحسد، حتى أنها هاجرت، ولم تذكر لي أي أخبار، مع أنني لا أكتم عنها أي شيء، ويبدو أننا قاطعنا بعضنا، والآن ليس لدي سوى صديقة واحدة، -حفظها الله-.

رابعًا: معاناتي مع أهلي، أشعر بالاضطهاد منهم، وكلامهم صعب علي، وكأن كلامهم سهام في قلبي، خصوصًا أنني لم أتزوج بعد، وهم يعايرونني بذلك.

خامسًا: أريد أن يوفقني الله بشريك حياة نقي تقي، يتقي الله فيَّ، إلَّا أني ما زلت أعاني من عدم الثقة في نفسي، وأشعر أنني لن أوفق أبدًا في ذلك، ولكني أقول: أليس الله هو القائل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا}، فأنا أستغفر كثيرًا، وأصلي فروضي، وأعلم أنني مقصرة في حق الله أحيانًا، فأتوب إليه وأرجوه أن يرحمني، ويغفر لي ذنوبي، فماذا أفعل ليحبني الله ويرضى عني ويوفقني في كل أمري؟

مع الأسف والاعتذار الشديد للإطالة عليكم، وشكرًا جزيلًا.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mai Salah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسال الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وقد تفهمنا سؤالك ومأ حل بك، ونرجو أن نقول في النقاط التالية ما يعينك على تجاوزها:

أولًا: الابتلاء سنة جارية لا يسلم منها أحد، وهو امتحان لحقيقة الإيمان، وتمحيص للنفس، وتهذيب للقلب، قال تعالى: {ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] وقال تعالى أيضًا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ ٱلْأَمْوَالِ وَٱلْأَنْفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] فالله جل جلاله لم يقل (لنعاقبنكم)، بل (لنبلونكم)، أي لنختبر صدقكم وثباتكم، ليخرج من بين طياتكم خيراً لم تكونوا تدرونه عن أنفسكم، فالابتلاء ليس علامة غضب دائمًا، بل قد يكون اختيارًا من الله لعبدٍ يريد أن يطهّره، أو يرفعه درجات في الجنة.

ثانيًا: عليك أن تعلمي أن كل الابتلاءات ليست سواء؛ فهي تتفاوت كما تتفاوت القلوب:
1. ابتلاء في المال، كالفقر أو ضياع الرزق.
2. ابتلاء في النفس، كالمرض، أو الهمّ، أو ضعف الثقة بالنفس.
3. ابتلاء في الناس، كالحسد، والظلم، وسوء المعاملة.
4. ابتلاء في الدين، وهو أعظمها، حين يُختبر المرء في ثباته على الطاعة.

وقد قال النبي ﷺ: «أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالْأَمْثَل، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ»، فالمؤمن القوي لا ينجو من البلاء، بل يُختار له بلاء يليق بدرجته، والمؤمن الضعيف يُبتلى بما يحتمل؛ لأن الله يعلم ضعفه، ولا يكلّف نفسًا إلا وسعها، إذًا أنت ما فيه من ضيقٍ أو تعبٍ ليس عقوبة، بل حظّك المرسوم من مدرسة الصبر، تمهيدًا لخيرٍ أعظم لا يُرى الآن.

ثالثًا: لكل إنسانٍ حظّه من الابتلاء، فتأمّلي الكون حولك، ستجدين أن كل إنسان يحمل في صدره همًّا ووجعًا، لكن صور الابتلاء بينهم تختلف، ستجدين:
• مَن هو مريض لا يذوق لذة الصحة منذ سنين.
• ومَن هو سجين ينام على جدارٍ باردٍ ويصحو على قيد.
• ومَن يعيش في أرض حرب يسمع دويّ المدافع بدل الأذان.
• ومَن فقد أحبّته في ساعةٍ واحدةٍ لا تعود.
• ومَن غُرِس في قلبه خوفٌ أو همٌّ أو قلقٌ دائم لا يعلم الناس عنه شيئًا.

أليس كل هذا من ابتلاءات؟ أليس الله تعالى يقول: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]؟! فإذا نظرت إلى نفسك لوجدت أنّ الله برحمته ابتلاك ابتلاءً ليختبر صبرك لا ليهدّ كيانك، فلم يسلبك نعمة العقل، ولم يسلبك نعمة البصر، ولم يسلبك نعمة الأمان، ولا القدرة على السجود بين يديه، وهذا وحده كافٍ لأن يقلب شكواك إلى شكره وحمده على السراء وعلى الضراء، ويقلب الشدة إلى عبادة باحتساب الأجر عنده تعالى، وقد قال سبحانه: {مَا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147].

رابعًا: ثمرة المقارنة هنا ليست لتقليل معاناتك؛ بل لتذكيرك بأنّ الابتلاء ميدان رحمة قبل أن يكون ساحة ألم، فالذي ابتُليَ بالمرض ابتُليتِ أنت بهؤلاء الناس، والذي ابتُلي بأن حُرم الأمن والأمان ابتليتِ أنت ببيئةٍ فيها الأذى النفسي لا البدني، وكلّها أبواب للأجر والثواب، و«الْمُؤْمِنُ ‌الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ»، و«المُسْلِمُ الذي يُخَالِطُ النَّاسَ ‌وَيَصْبِرُ ‌عَلَى ‌أَذَاهُمْ ‌خَيْرٌ مِنَ المُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»، ومن صَبَر ساعة في صمت ورضًا كُتبت له درجات ربما تفوق من صبر سنين على مرض الجسد.

خامسًا: اعلمي أنّ الله لا ينظر إلى شكل الابتلاء، بل إلى قلب العبد أثناءه: هل هو ساخط أم راضٍ؟ هل لجأ إليه أم استغنى عنه؟ فمن حمد الله في وسط الغمّ، وابتسم وهو يعلم أن الأمر بيد الرحمن؛ فقد أدّى الامتحان، ونجح دون أن يدري.

سادسًا: كيف نحول الابتلاء إلى طريق للقرب من الله تعالى؟
الذي يرى في البلاء رسالة رحمةٍ خفية، يجد فيه بابًا إلى الله تعالى لا يُفتح إلَّا للمبتلين، الذين سلَّموا الأمر لله وقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، ومن ذلك:

1. الاستغفار والتوبة المستمرة، قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، فاستغفري كلّ يومٍ بصدق، لا بعدد، واجعليها لحظة صفاءٍ بينك وبين الله، لا مجرّد تكرار ألفاظ.

2. الصبر الجميل: والصبر ليس صمتًا على الألم، بل رضا بأنّ الله اختار لك ما هو أصلح، وإن جهلتِ وجه الحكمة، وقد قال النبي ﷺ: «وَمَنْ ‌يَتَصَبَّرْ ‌يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا، وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».

3. التحصين: احرصي على أذكار الصباح والمساء فإنها حصنٌ حصين، وذلك يوميًا، ومن ذلك: قراءة آية الكرسي، وآخر آيتين من البقرة، وسور الإخلاص والمعوذتين، ثم قولي: "اللهم اكفني شرّ مَن أراد بي سوءًا، واجعلني في كنفك الذي لا يُهتك".

4. الصدقة الخفية ولو قليلًا، فهي تمسح الهمّ كما يمسح الضوء الظلمة، وقد قال النبي ﷺ: «داووا مرضاكم بالصدقة».

5. صلاة الليل ولو بركعتين: هي وقت اللقاء الخاص مع الله تعالى؛ حيث تُفرغين همّك وتجدين سكينتك، وقولي: "اللهم إنّي عبدتك الضعيفة، أحبك فقرّبني، وارضَ عني، وأكرمني بما ترضاه لي".

6. التوكل واليقين: لا تربطي الفرج بزوال الأشخاص أو تحسنهم، بل بعلم الله وتدبيره، فهو القائل: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

خذي بهذه القواعد في حياتك وستفلحين وتوفّقين بإذن الله تعالى:
أولًا: في العمل: استودعي الله نفسك كل صباح، وقولي: "اللهم اكفنيهم بما شئت"، وعاملي الجميع بالحسنى، وقلّلي الحديث عن نفسك وأعمالك، واعملي بصمتٍ وثقةٍ بالله تعالى.

ثانيًا: في الدراسة: احفظي سرك، ولا تذكري خطواتك وتقدّمكِ إلَّا لضرورة، ومع مَن تُحبين وتعلمين منه حبّه لك ويحب لك الخير، وابدئي عملك بذكر الله تعالى، وقولي: "ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري"، واعلمي أن البركة مع الإخلاص لا مع الإخبار، وشاركي الناس في الخير يشاركوكِ في الخير.

ثالثًا: في العلاقات: الصديق الصادق رزق؛ فإن قلّوا، فاجعلي صحبتك مع الله تعالى، وأحسني الظن، وادعي لمن جفاك بالهداية، وقولي: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

رابعًا: مع الأهل والزواج: لا تلتفتي لكلام جارح، وزواجك ورزقك بيد الله تعالى لا بيد الناس، قولي: "اللهم ارزقني زوجًا صالحًا طيبًا وارزقني به السكينة"، وقولي: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سورة المؤمنون: 118]، {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة الصافات: 100].

خامسًا: لكي يحبك الله ويرضى عنك، التزمي بتلك الأمور:
• أكثري من الاستغفار والذكر.
• اجتهدي في الصلاة بخشوع.
• أحسني إلى الناس ولو أساؤوا.
• جدّدي نيتك في كل عمل ليكون لله وحده.
• تذكري قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، والله الموفق.

www.islamweb.net