بعد أن حققت حلمي بدراسة الطب فقدت الشغف فيه، فما السبب؟

2025-11-02 22:45:35 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبتُ هذه الرسالة على أمل أن تكون نقطة تغيير في حياتي.

لقد كنتُ تلك التلميذة المجتهدة التي تحصل على أعلى المراتب، وبشهادة أساتذتي كنتُ ذات تركيز وثقة بالنفس عاليين، وكنتُ تلك التلميذة التي تمنت دراسة الطب، ولم ترغب في غيره، ولكن في فترة كورونا، دخلتُ في حالة من الاكتئاب الحاد، فقدتُ بسببها طعم الحياة وفرحتها.

دخلتُ كلية الطب بتقدير ممتاز، ولكن الأمر لم يكن كما توقعت؛ فبعد أن كان حلمي، شعرتُ أنني غريبة في تلك الكلية، ومقارنة نفسي بالآخرين زادت الأمر سوءًا. حاولتُ أن أجتهد وأكون من الأوائل كما كنت، لكن كانت النتيجة غير كافية، فشعرتُ أنني لا أستحق هذا التخصص النبيل، وسرعان ما تراجعت علاماتي التي كانت جيدة إلى مستوى قريب من الرسوب التام.

حاولتُ أن أعود، ولكنني لم أعد أستطيع فتح الكتاب، وحتى في كل مرة أقرأ فيها حرفًا، أتذكر الرسوب وأشعر أنني لن أصل أبدًا، وإذا أجبرتُ نفسي على ذلك، أجد تركيزي منعدمًا تمامًا، ولا أتذكر كلمة قلتها للتو.

أصبحتُ أعاني من إدمان مواقع التواصل لأتهرب من مسؤولياتي، ولأنسى خيبة أملي في نفسي، وخيبة والديّ اللذين لطالما أرادا أن يرَياني طبيبة، لكنني لم أعد أرى نفسي في هذا الطريق، أصبحتُ أعاني من القلق، ومن البكاء دون سبب أحيانًا.

حاولتُ أن أراجع علاقتي مع الله، لعلها تكون المفتاح الذي أبحث عنه، ولكن، وكأي إنسان يرتكب معاصي ويريد أن يتوب عنها -كاستماع الأغاني-، شعرتُ بالفتور، فغاب الخشوع عن صلاتي، وأصبحتُ أستثقل الدعاء لنفسي بالصلاح والفرج.

الكلام قليل، ولكن القلب قد امتلأ لآخره، وهناك الكثير لم أقله، فالكلمات خانتني، لا أعرف ما مشكلتي، لا أعلم متى بدأت تقريبًا، ومتى ستنتهي، وأسأل أهي عين، أم سحر، أم مرض نفسي، أم شيء آخر؟ أرجو ردًا سريعًا، فإني لم أعد أعرف ماذا أفعل.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إلهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال وبهذه التفاصيل.

حقيقةً -أختي الفاضلة- من الصعب أن نرد كل ما حدث إلى سبب واحد، لكن:

أولًا: أحمد الله تعالى على همتكِ العالية ورغبتك في دراسة الطب، وأنا هنا أسرع فأقول: إن ما حصل معك ليس مبررًا لترك هذا المجال، بالرغم من الصعوبات التي تعرضت لها، هل كانت يا ترى البداية بحالة من الاكتئاب الذي كان من الممكن أن يُعالج بعد أن يُشخّص التشخيص الدقيق؟ أم كانت هناك أمور أخرى؟

ولكن يبدو بعد تلك المرحلة أنك دخلت في أمور متعددة، منها ضعف الثقة بالنفس، وشعورك بأنك غير مناسبة لهذا التخصص، وأنا لا أوافقك على هذا، فطالما أنك وصلت إلى هذا المستوى، فليس هناك ما يمنع من أن تستطيعي إكمال هذا.

ثم مع وجود وقت الفراغ، دخلت في إدمان ما أسميتِه إدمان المواقع -مواقع التواصل- إلى آخره، وهكذا بدأت تتراجع همتك وثقتك بنفسك، وبالتالي الدرجات.

ما هو الحل الآن؟
أنا أدعوكِ إلى أن تزوري أخصائية نفسية، ولو في الجامعة، فمعظم الجامعات فيها خدمات الإرشاد النفسي للطلاب، أظن أنك تحتاجين إلى أن تجلسي مع أخصائية نفسية لتشرحي لها تطور الأمور، وتسألك بعض الأسئلة، ثم أنتما معًا ترسمان صورة ما حصل وأين تريدين الذهاب، وبالتالي يمكنها أن تضع لك التشخيص المناسب، ثم خطة التدبير المناسبة، سواء كان هناك اكتئاب يحتاج إلى علاج دوائي، أو تدخلات نفسية عن طريق العلاج المعرفي السلوكي، أو أن هناك أمورًا يُفيد أن تُغيّريها في نمط حياتك.

فإذًا، خلاصة جوابي لك -أختي الفاضلة- ألَّا تيأسي مما حصل، وإنما تستعيدي النشاط وتطرقي باب الأخصائية النفسية، ولعلها -بإذن الله عز وجل- تُرشدك إلى الطريق الصحيح.

لا أعتقد أن ما مررتِ به هو عينٌ أو سحر، وإنما حالة نفسية، نعم قد تكون مرضًا نفسيًا وهو الاكتئاب كما كانت البداية، ولكن تطورت الأمور بعد ذلك.

لذلك أرجو ألا تتأخري أو تتخوفي من أن تنفتحي على الأخصائية النفسية وتشاركيها همومك، وبإذن الله عز وجل أنت على طريق الخروج من هذه الحالة، ومتابعة طريقك في تحقيق حلمك لتكوني طبيبة زميلة لنا خلال عدد من السنوات، وكلي أمل أن تكون هذه الاستشارة -وكما ذكرت- نقطة تحول في حياتك للأفضل وللأحسن بإذن الله تعالى.

_________________________________________
انتهت إجابة الدكتور مأمون مبيض، استشاري الطب النفسي.
وتليها إجابة الأستاذ/ فيصل العشاري، المستشار التربوي
_________________________________________

أشكركِ على شجاعتكِ في مشاركة مشاعركِ وتجربتكِ الصعبة، وأسأل الله أن يجعل هذه الرسالة بدايةً لنقطة تحول إيجابية في حياتكِ، ما تمرين به ليس بالأمر السهل، ولكنه أيضًا ليس مستحيلًا تجاوزه بإذن الله.

في البداية، أود أن أذكركِ بأن الله -سبحانه وتعالى- قد خلقنا في هذه الدنيا لنُبتلى ونُختبر، كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]، فما تمرين به من صعوبات هو جزء من هذا الابتلاء، وهو فرصة للتقرب إلى الله واكتساب الأجر.

من المهم أن تتذكري أن الله لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، هذا يعني أن الله يعلم أنكِ قادرة على تجاوز هذه المحنة، وأنكِ تمتلكين القوة الكامنة التي تحتاجين إلى استعادتها.

والنبي ﷺ علّمنا أن نلجأ إلى الله في أوقات الضيق، ومن أجمل الأدعية التي وردت عنه:«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي».

هذا الدعاء يحمل معاني عظيمة من التوكل على الله والرضا بقضائه، وهو وسيلة فعّالة للتخفيف من الحزن والقلق، والصبر هو مفتاح كل الأبواب المغلقة كما قالوا: الصبر مفتاح الفرج.

خطوات عملية للتغلب على الاكتئاب واستعادة الشغف:
• خصصي وقتًا يوميًا للجلوس مع نفسكِ والتفكر في نعم الله عليكِ.
• استمري في الصلاة، حتى لو شعرتِ بالفتور، فالصلاة هي صلتكِ بالله، وهي مصدر القوة والسكينة.
• كما أشار الدكتور مأمون، من الضروري أن تتواصلي مع أخصائية نفسية لتقييم حالتكِ بدقة، الاكتئاب هو حالة طبية تحتاج إلى تدخل متخصص، سواء كان ذلك من خلال العلاج السلوكي أو الدوائي.
• ذكّري نفسكِ بإنجازاتكِ السابقة، وكيف كنتِ طالبة مجتهدة ومتفوقة.
• قسّمي أهدافكِ إلى خطوات صغيرة قابلة للتحقيق، واحتفلي بكل إنجاز مهما كان بسيطًا.
• حددي أوقاتًا محددة لاستخدام الهاتف، واستبدلي هذا الوقت بأنشطة مفيدة مثل القراءة أو ممارسة الرياضة.
• استخدمي تطبيقات تساعدكِ على تقليل وقت الشاشة.
• ابدئي بقراءة مواد بسيطة أو مراجعة ما سبق دراسته.
• استعيني بزميلة أو صديقة للمذاكرة معكِ، فهذا سيخفف من شعور الوحدة.
• احرصي على النوم الكافي، وتناولي طعامًا صحيًا، ومارسي الرياضة بانتظام.
• شاركي في أنشطة تطوعية أو اجتماعية، فهذا سيمنحكِ شعورًا بالإنجاز والانتماء.

تذكري أن الاكتئاب ليس ضعفًا في الإيمان أو الشخصية، بل هو حالة نفسية تحتاج إلى علاج -كما أشار الدكتور مأمون في رده السابق-، كما أن الجمع بين العلاج النفسي الحديث والممارسات الإسلامية مثل الذكر والدعاء أثبت فعاليته في تحسين الحالة النفسية.

أختي الكريمة: لا تيأسي من رحمة الله، واعلمي أن ما تمرين به هو مرحلة مؤقتة، قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [سورة الشرح: 5-6].

وأخيرًا، أكرر نصيحة الدكتور مأمون مبيض: لا تترددي في طلب المساعدة من أخصائية نفسية، فهذا هو أول خطوة نحو التعافي.

أسأل الله أن يفرّج همكِ، ويشرح صدركِ، ويعيد إليكِ شغفكِ وحبكِ للعلم، وأسأل الله أن يوفقكِ ويعينكِ.

www.islamweb.net