مشاكلي الزوجية وصلت للضرب والخنق، فهل أصبر أم أنفصل؟
2025-11-02 23:43:13 | إسلام ويب
السؤال:
السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة متزوجة منذ ثلاث سنوات، ولم يُرزقني الله بأولاد، منذ بداية الزواج وأنا أواجه مشكلات مع زوجي، كان سببها إخفاؤه عني أنه مدخن، ووعده لي بإرجاع ما بِيع من ذهبي لتسديد ديونه، ولكنه حتى الآن لم يُعد لي شيئًا.
كما أنه لا يزال يحتفظ بعلاقة قديمة مع امرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويخرج من المنزل كل ليلة خميس، ويسهر حتى الصباح، في كل مرة يبدأ الخلاف بيننا بكلام مني، كأن أقول له: "وعدتني أنك لن تكرر ذلك، ولكنك أخلفت وعدك"، مع العلم أنه لا يُجيد أسلوب الحوار، ويرد عليّ بالصراخ أو العتاب، أو يكرر عبارته الشهيرة: "ما دخلكِ بي؟"
كنت في بعض الأحيان أتجاهله، وينتهي الخلاف بعد يوم أو أسبوع، بوعود منه بأنه لن يكرر ما حدث، أو أنه سيعمل على إصلاح نفسه. وبعد عام من الزواج، بدأ يضربني ويخنقني ويشتمني، رغم أنني كنت أقول له: "بهذه الطريقة التي تعاملني بها، سأكرهك وسأتركك".
حتى هذا اليوم تشاجرنا، فانهال عليّ بالضرب والخنق، وأُصبت بكدمات وجروح وعلامات خنق، ولم أعد أستطيع التحمل، فهربت إلى عائلتي، وأخذوني إلى المستشفى، أصبحت لا أُحبّه، وزاد كرهي له.
سؤالي: هل أطلب الطلاق أم أصبر؟ علمًا بأنني فقدت الأمل.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول، وبالله تعالى أستعين:
أولًا: يقع البعض في كثير من المشاكل بسبب التعجُّل في الموافقة على الزواج، وعدم التحري في صفات الرجل الذي تقدَّم للزواج، ولعلكِ وأهلكِ وقعتم في هذا الخطأ، وإلا فإن مسألة التدخين لا يمكن أن تخفى لو تحريتم وسألتم أصدقاءه الذين يُخالطهم، ومع هذا، فقد حصل الأمر، والحمد لله على كل حال.
ثانيًا: ما وقع وما هو حاصل أمرٌ مقدَّر عليكِ، وكنتم متسببين في ذلك، فكل شيء يقع في هذا الكون يسير وفق قضاء الله وقدره، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ وقال ﷺ: «قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ» (رواه مسلم)، و«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ، قَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه)، وقال ﷺ: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ، حَتَّى العَجْزُ وَالكَيْسُ» (رواه مسلم)، والكَيْس: الفطنة.
ثالثًا: عليكِ أن ترضي بما قدَّره الله لكِ، وألَّا تتسخطي من ذلك، فلعل الله أراد أن يبتليكِ ليرفع درجاتكِ ويكفِّر سيئاتكِ، ففي الحديث: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» (رواه الترمذي والنسائي والبيهقي)، فعليكِ أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذارِ أن تتسخطي، وإلا فالجزاء من جنس العمل.
رابعًا: ما ذكرتِه من أفعال زوجك -من الضرب والخنق والإيذاء اللفظي والبدني وإهمال الحقوق الزوجية- منافٍ لحسن العشرة، فالله تعالى يقول: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، ويقول ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (رواه أبو داود والترمذي).
خامسًا: ما أخذه من ذهبك لقضاء دينه هو دين في رقبته يجب عليه أن يسدده، وعليك أن تطالبيه بأن يشتري لك نفس الوزن ونوعية الذهب الذي أخذه منك.
سادسًا: تواصله مع امرأة عبر وسائل التواصل محرَّم، لأنها أجنبية بالنسبة له، وذلك يُنبئ عن ضعف تدينه وخلل في سلوكياته وأخلاقه، واعترافه بذلك ووعده بأنه سيُصلح نفسه شيء إيجابي، لكنه مطالب بمجاهدة النفس مجاهدةً حقيقيةً حتى ينال من الله الهداية، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
سابعًا: الزواج ميثاق غليظ يجب الوفاء به، {فِإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}، والمرأة لا يُكرمها إلا كريم، ولا يُهينها إلا لئيم، ولا يليق بالمسلم صاحب الخُلُق أن يضرب زوجته أو يُهينها، فالزواج قائم على المودة والرحمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ثامنًا: صبركِ يكون ممدوحًا محمودًا إذا كان يُرجى معه إصلاحٌ حقيقي، وتوبةٌ صادقة من الزوج، وبيئةٌ آمنة تحفظ كرامتكِ ونفسكِ، أما إن كان يتسبب بالمزيد من الإهانة والضرب والخوف، فلا يُطلب منكِ البقاء في مثل هذه الحال، لأن الشرع لا يُبيح استمرار الضرر.
تاسعًا: لا ننصح بالطلاق في هذه المرحلة، بل إن كنتِ قد يئستِ من إصلاحه، فلا بد أن يتدخل وسيط في هذه المسألة، فلعلَّه يتقبل النصح ويستقيم حاله، وليكن والده أو أمه أو أحد إخوانه، أو عالم أو داعية، المهم أن يكون ممن يسعى في الإصلاح بين الناس، وممن يحبون الصلح، فإن لم يستقم حاله، فافعلا ما أمر الله به حيث قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} وعليكما أن تتقبلا حكم الحكمين، سواء كان بالوفاق أو الطلاق.
عاشرًا: إن تمرد، فلكِ الحق أن ترفعي أمركِ للمحكمة الشرعية وتطلبي الطلاق منه، فإن أبى، فلكِ أن تطلبي الخلع، خاصةً إن أصبحت حياتكِ معه مستحيلة، وأصابكِ الضرر النفسي والبدني، لأن الزواج في هذا الحال لم يتحقق مقصوده، وهو المودة والرحمة والسكن النفسي، ففي هذه الحال: "إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"، فالإمساك بالمعروف يعني أن تبقى العلاقة على أساس الاحترام والمودة، فإن انقطعت هذه الأسس، كان التسريح بالإحسان هو الطريق المشروع.
الحادي عشر: احتفظي بحوزتكِ كل ما يثبت أنه أضرَّ بكِ من خلال اعتدائه، كالتقارير الطبية أو شهادات الشهود، فقد تحتاجين إليها عند طلب الطلاق أو الخلع أمام القضاء الشرعي.
الثاني عشر: لا تغفلي عن الدعاء بين يدي الله تعالى، وخاصة في أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وأثناء السجود، وسلي ربكِ أن يهدي زوجكِ ويُصلحه ويُبصّره بعيوبه، فلعلّكِ توافقين ساعة إجابة فيُستجاب لكِ ويصلح حال زوجكِ، وهذا هو المطلوب.
الثالث عشر: عسى أن يتبدل ما تكرهينه إلى أمر يسركِ، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وقد قال الله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقال تعالى: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
الرابع عشر: أكثري من دعاء الكرب: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» (رواه أبو داود والترمذي).
وأكثري كذلك من دعاء ذي النون، فقد صح في الحديث: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا بِهَا فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَدْعُو بِهَا مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» (رواه ابن ماجه والترمذي).
نسأل الله أن يُفرِّج همَّك، ويشرح صدرك، ويُصلح زوجك، ويجعل عاقبتك إلى خير، ونسعد بتواصلكِ في حال استجدَّ أي جديد.