ابني الوحيد يدفع ثمن خلافاتنا الزوجية، فهل من حل حتى لا يتأثر بها؟

2025-10-30 02:14:17 | إسلام ويب

السؤال:
أنا متزوج منذ عشرين عامًا، وزوجتي موظفة، لكننا على خلاف دائم، لدينا ولد واحد، وقد شاء الله أن يُبتلى بشلل دماغي أثّر على حركته، وهو بحاجة إلى رعاية مستمرة.

زوجتي، في كل مرة نقع فيها في مشكلة، لا تستمع إلى النصائح، ولا تأخذ إلا بكلام عائلتها.

لجأت إليهم أكثر من مرة، لكنهم لا يُبالون، ويصدقون كلامها فقط، اختلفنا كثيرًا، وفي إحدى المرات، غضبت بشدة حتى فاض بي الكيل، فتركتها لمدة ثمانية أشهر، وكان ولدي معي، ورفض زيارتها ولو مرة واحدة، وهي مقتنعة تمامًا أنني السبب في ذلك.

بعض أهلها أدخلوا في رأسها وهمًا بأنني قد أتركها، وأصبح هذا الاعتقاد راسخًا في وجدانها، مما أدى إلى انعدام الثقة بيننا، وهي دائمًا ما تتحدث عن أهلي بسوء، وتدّعي أنهم يكرهونها، وهذا غير صحيح، وعندما أحاول التواصل مع بعض إخوتها، يستجيب أحدهم لي، لكنهم يصدقون كلامها دائمًا مهما شرحت.

ابني الوحيد هو من يدفع ثمن ما يحدث، ولا أجد طريقة أرضي بها زوجتي، لقد ضعفت حيلتي، وتضاءلت قدرتي على التحمل، كما أنها دائمًا تقارن نفسها بي، وتضع نفسها في موضع الندية.

حاولت أن أطمئنها وأثبت لها أنها جزء مني، فكتبت المنزل باسمها وباسمي وباسم ابني، لكنني الآن لم أعد أطيق الحياة الزوجية معها، وأخشى على ابني الوحيد؛ لأنها لا تفكر إلا في نفسها، وأمام الناس، تُظهرني وكأنني من يؤذيها، لا أعرف كيف أتصرف، ولا أجد حلًا، وليس لي مكان آخر أذهب إليه. وابني المسكين يعاني من هذا الوضع.

فهل من حلٍّ أسريٍّ يُنقذنا، حتى لا تكون حياة ابني تعيسة بسبب ما نحن فيه؟

ولكم جزيل الشكر والعرفان على نصائحكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يشرح صدرك، ويصلح شأنك، ويخفّف عنك هذا الحمل الثقيل.

فما ذكرتَه ليس خلافًا عابرًا بين زوجين، بل هو تعبٌ تراكم عبر السنين، وجرح صامت يُشارك فيه طفل بريء، ابتلي بمرضٍ يحتاج إلى الرحمة والسكينة لا الصراع.

لذا دعنا نحاول أن نضع لك خطوات متدرجة تجمع بين الفهم النفسي، والحكم الشرعي، والأسلوب العملي في التعامل.

أولًا: إدراك طبيعة ما تمرّان به: أنتما لستما فقط زوجين على خلاف، بل أسرة تحمل ابتلاءين كبيرين: مرض الابن، وهو ابتلاء يختبر الله به الصبر والإيمان والرحمة، وتعب العلاقة الزوجية بعد سنواتٍ طويلة من الاحتكاك والفتور، فوجود ابنٍ مريض يزيد الضغط النفسي على الأم والأب معًا؛ فهي تشعر بالعجز، والإنهاك، والغيرة من حرية الآخرين، وأحيانًا تصبّ تعبها على أقرب الناس إليها دون وعي، خاصة إن لم تجد دعمًا عاطفيًا دائمًا.

ثانيًا: موقفك من زوجتك: من الواضح أنك تحب بيتك، وتخاف على ابنك، لكنك فقدت القدرة على الاستمرار في الجدال والصراع.
زوجتك كما تقول: تستمع فقط لأهلها، وتصدق ظنونهم عنك، وتسيء الظن بأهلك، وهذه كلها مؤشرات ضعف في التواصل بينكما، لا بالضرورة كراهية، فالمرأة إذا شعرت أن زوجها قد يتركها، تتشبث بأهلها لتشعر بالأمان، وأنت حين غضبت وتركتها ثمانية أشهر –حتى وإن كنتَ معذورًا– ثبّتَّ في داخلها ذلك الخوف من الترك، ولهذا أصبحت لا تثق بك رغم كل ما فعلت.

ثالثًا: ما يجب أن تفعله الآن:
1. أعد بناء الثقة لا بالكلام، بل بالفعل، فالثقة لا تُستعاد بعبارة (أنا أحبك) فقط، بل بثبات وهدوء وتصرّف متزن، ولا تهاجمها أمام الآخرين، ولا تُعاتبها إلا في الخفاء، ولا تتحدث بسوء عن أهلها حتى لو أساؤوا، لأن ذلك يزيد تمسكها بهم، واجعل همّك الآن إصلاح جوّ البيت أمام ابنك المريض؛ لأن استقراره النفسي هو أهم علاجٍ له.

2. أوقف وساطة الإخوة والأهل مؤقتًا، فكثرة تدخل الأقارب أحيانًا تزيد النار ولا تطفئها، واطلب منها حديثًا خاصًا وحدكما، واجعل الحديث عن المستقبل لا عن الماضي.

3. ذكّرها بابنكما المشترك، فقولك إن ولدك يرفض زيارتها مؤلم جدًا؛ لأن قلب الأم هو أضعف ما يكون حين يُبتلى ولدها، فحاول أن تعيد التواصل بينهما تدريجيًا.

4. أظهر الاحترام أمام الناس مهما بدر منها، حتى إن كانت تظهر للناس أنك الظالم، فلا تردّ عليها في العلن، فالناس تنسى المواقف، وتبقى الصورة العامة، ومن صبر ستره الله ورفع ذكره، قال تعالى:«ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم».

رابعًا: حلول واقعية للتعايش: افصل المشاعر عن المسؤوليات، ربما لا تستطيع معاشرتها كزوجة حاليًا، لكن هناك مسؤولية مشتركة في البيت والابن، فتعاملا كما يتعامل شريكان في مشروع فيه طفل أمانة بينكما، وتذكّر أن الصبر على الزوجة المرهقة أجره عظيم، خصوصًا حين تكون أمًا لطفلٍ مريض، قد يكون صبرك عليها سببًا في أن يُخفّف الله عن ولدك بلاءه، قال ﷺ: «من يُحرَم الرّفق يُحرَم الخير كله.»

خامسًا: ربما ترى الآن أن بيتك في طريق مسدود، لكن البيوت التي استمرّت عشرين عامًا لا تُبنى من فراغ، فيها لحظات ودٍّ كثيرة وإن غطّاها الغبار، ابدأ من هذه الذكريات، ذكّرها كيف كنتما حين فرحتما بولدكما، وكيف اجتزتما أزماتٍ كثيرة من قبل، فكلمة صادقة منك مع صدق التوبة والدعاء؛ قد تُعيد ما حسبت أنه انتهى.

أكثر من الدعاء وقل : "اللهم أصلح بيني وبين زوجتي، واجعل ابننا سببًا لوصلنا لا فُرقتنا، واهدها واهدني، واصرف عنا نزغات الشيطان"، ثم خذ بالأسباب بهدوء، وابدأ صفحة جديدة لا لوم فيها، بل مسؤولية ورفق وصبر، وتذكر دائمًا أن الله لا يضيع صبر الصادقين، ولا يخيب من أراد الإصلاح.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

www.islamweb.net