أصبت بضعف الشخصية بعد تربية قاسية من والدي!
2025-11-03 00:35:25 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا شاب مشكلتي أنني لم أدرس في المدرسة، وكان والدي متشددًا وصعبًا جدًا، تربيتي كانت سيئة للغاية، وليس لدي ثقة بالنفس.
على سبيل المثال، كان والدي دائمًا يقول لي: "أنت لست رجلًا، أنت تعيش ذليلًا في المنزل، وليس لك رأي"، كان يوبّخني أمام أصدقائي لأتفه الأسباب.
مرة ضربني أمام زوج خالتي بسبب أمر تافه لا أتذكره، ووضع قدمه فوق رأسي، وقال لي أمامه: "أنت تعيش ذليلًا تحت قدمي"، وهناك الكثير من المواقف المشابهة، حتى عندما كنت أتعرف على أصدقاء جدد ومحترمين، كان والدي يذهب إليهم ويسبّهم، ويقول لهم: "لا تصادقوا ولدي".
الآن أصبحت علاقاتي محدودة جدًا، وقد قررت أن أتزوج، وخطبت فتاة تدرس في الجامعة، لكنني خائف أن أشعر بالنقص معها، كما أشعر بالنقص مع أصدقائي، كيف أقوّي شخصيتي وأبني ثقتي بنفسي؟
مع العلم أنني شخص عصبي، وأتمنى أن زوجتي تفتخر بي، ولا تعاملني بدونية، كيف أتعامل معها لكي تحبني وتُحسن معاملتي؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زيدان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك أيها الأخ الفاضل، وأسأل الله العظيم أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويقوّي عزيمتك.
أتفهم تمامًا ما مررت وتمر به من مشاعر الألم والجرح العميق.
من الصعب جدًا أن يكون مصدر الأمان والحب وهو الأب، مصدرًا للأذى النفسي والتقليل من الشأن! إن المواقف التي ذكرتها، خاصة الإهانة أمام الآخرين تترك آثارًا بالغة في النفس والثقة بالذات، هذا ليس ذنبك أبدًا، فالتربية القاسية والإساءة اللفظية والجسدية هي مسؤولية كاملة على المُسيء.
شعورك بانعدام الثقة بالنفس هو رد فعل طبيعي وصادق لتلك المعاملة القاسية، وليس دليلاً على ضعف في شخصيتك الحقيقية، نحن معك، وسنتعاون معا بإذن الله على إضاءة طريقك نحو بناء الذات الجديدة.
تذكر أيها الأخ الكريم أن الكرامة والعزة الحقيقية مصدرها الإيمان بالله وحده، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون:8)، مهما قال لك والدك أو أي شخص آخر، فإن قيمتك الحقيقية لا يحددها البشر، بل يحددها خالقك.
أنت مخلوق مُكرَّم، ومكانتك عند الله لا تنقصها كلمة قاسية، أو فعل مهين من أحد، وما مررت به هو نوع من الابتلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ" (متفق عليه)، اصبر واحتسب، واعلم أن الله يعلم ما في قلبك من جرح، وسيعوضك خيرًا.
دعنا نتناول بعض التوجيهات والإرشادات لتقوية شخصيتك:
• غيّر صوتك الداخلي كلما سمعت عبارة والدك "أنت لست رجلاً" أو "أنت ذليل"، استبدلها مباشرة بقول: "أنا عبد لله، والله ناصري ومقوّيني"، ردد: "حسبي الله ونعم الوكيل".
• اجعل لسانك رطبًا بـ "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فهي مفتاح تفريج الكرب، والاستغفار؛ هذا يشعل نور الإيمان في قلبك، ويطرد وساوس النقص.
• الصلاة على وقتها هي أهم مصدر للقوة والسكينة، وفي القرآن شفاء، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء:82)، اقرأ ولو آية بتدبر؛ ستشعر بالاحتواء والأمان الذي فقدته في محيطك.
• بر الوالد واجب حتى لو أخطأ، ولكن لا يعني ذلك إذلال النفس، تعامل معه بالحد الأدنى من الاحترام والبر الذي يرضي الله، مع وضع حدود واضحة لحماية نفسك من المزيد من الأذى، تذكر قوله تعالى عن الوالدين: {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء:23)، الدعاء له بالهداية خير من مجادلته.
• بخصوص التعليم الذاتي والمهارات، بما أنك لم تكمل دراستك النظامية، اجعل العلم والمعرفة سلاحك، ادرس مهارة تحتاجها سوق العمل، احفظ شيئاً من القرآن، اقرأ في مجال يثير اهتمامك، الإنجاز الملموس يغذي الثقة بالنفس أفضل من أي كلام.
• ابحث عن عمل شريف، الاستقلال المادي هو خطوة عملاقة نحو الاستقلال النفسي والشخصي وإثبات الذات.
• أما موضوع الغضب، فاعلم أن الغضب من الشيطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ، وإنَّ الشَّيْطانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وإنَّما تُطْفَأُ النَّارُ بالماءِ، فإذا غَضِبَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ" (رواه أبو داود).
• هناك خطوات عملية للتحكم بالنفس عند الشعور بالغضب، اتبع وصية النبي صلى الله عليه وسلم: التعوذ من الشيطان، تغيير الوضعية (إن كنت واقفًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع)، الوضوء أو شرب الماء البارد، والصمت -لا تتكلم لحظة الغضب-.
•بخصوص الأصدقاء، ابحث عن أصدقاء صالحين، راشدين، ومحترمين -ولعل أصدقاءك الجدد منهم-؛ فالصديق الصالح يعزز ثقتك ويشد أزرك، لا تخف من توسيع دائرة علاقاتك مع هؤلاء، وتجاهل تمامًا محاولات والدك لتخريبها، أنت الآن رجل بالغ وقادر على اتخاذ قراراتك.
• بخصوص الزواج وخوفك من النقص؛ هو شعور مفهوم، لكن لا تجعله يتحكم بك، تذكر أن الزواج ليس سباق شهادات، بل هو سكن ومودة ورحمة.
• أما كيف تتعامل مع شعورك بالنقص تجاهها، فيمكننا تقديم بعض الإرشادات التالية:
1. كن صادقاً وحقيقياً (وليس ذليلاً): لا تخف من عدم إكمال دراستك الجامعية، تعامل مع الأمر بصدق وثقة، يمكنك أن تقول: "ظروفي منعتني من إكمال الدراسة النظامية، ولكني أؤمن بالعلم الذاتي، وأعمل على تطوير نفسي ومهاراتي الآن"، أو "أنا أرى فيكِ شريكًا مكملاً، ووجود شهادتك لا ينقص مني شيئًا، بل يضيف لأسرتنا المستقبلية". الثقة هي في طريقة تقديم المعلومة لا في المعلومة نفسها.
2. قدم مفهوم القوامة بالاحترام والمودة، القوامة ليست تسلطًا، القوامة التي ذكرها الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء:34)، هي مسؤولية رعاية وحماية وإنفاق وقيادة حكيمة، وليست إذلالاً أو استبدادًا، وهي التعامل بالرفق، خير مثال هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي)، عاملها بالود والرحمة والتقدير الصادق.
3. كيفية تعاملها معك بالاحترام: الاحترام يُبنى، لا يُفرض، لا تخف من أن تتكبر عليك، أو تعاملك بدونية، الزوجة المحبة والمحترمة هي التي ترى زوجها واثقاً من نفسه، مُقدِّراً لها، وحامياً لها، كن عادلاً معها، أعطِها حقوقها كاملة، استشرها في أموركما، قدّر رأيها، عبّر لها عن حبك وامتنانك، هذا التقدير هو مفتاح احترامها لك، عندما تشعر بالأمان معك؛ ستعاملك بكل مودة واحترام، وستنسى تمامًا مسألة الشهادة أو أي فروقات أخرى، دعها تشعر بالرجولة في أفعالك لا أقوالك، الرجولة في تحمل المسؤولية، العطاء، الحماية، الصدق، والوفاء؛ هذه هي المقاييس التي تبحث عنها الزوجة، وليست الشهادات.
أيها الأخ الحبيب: إن الآثار العميقة للتربية القاسية (الصدمة النفسية) قد تحتاج إلى علاج أعمق، أنصحك بالتواصل مع مستشار أو معالج نفسي أسري متخصص يتبنى المنظور الإسلامي إن أمكن؛ ليعينك على تفكيك الأفكار السلبية المترسبة من طفولتك، وتعلّم تقنيات إدارة الغضب والعصبية، وبناء صورة ذاتية صحية وقوية، تذكر أن طلب المساعدة هو قمة القوة والرجولة والإصرار على الشفاء والنجاح.
لا يأس من روح الله! لقد استطعت أن تخطب وتفكر في بناء أسرة، وهذا دليل قوة في داخلك، إن الله قادر على أن يحوّل ضعفك إلى قوة، ويأسك إلى أمل، وكسرك إلى جبر، فيا مَنْ بَلَغَ اليَأْسُ مِنْهُ مَبْلَغَهُ، لا تَيْأَسْ، فَإنَّ اليَأْسَ قَاطِعٌ، وَالأَمَلَ مَوْصُولٌ، وَرَبُّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87).
أسأل الله أن يرزقك السكينة، ويوفقك في زواجك، وأن يجعل زوجتك قرة عين لك، ويسخر لكما القلوب بالمودة والرحمة، وأن يمدك بالقوة والعزيمة لتكون خير زوج وخير أب.
والله الموفق.