أصبحت أكره نفسي لأنني أتوب من الذنب ثم أعود إليه!
2025-11-05 00:03:15 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إذا ارتكبت ذنبًا، أتوقف عنه لفترة طويلة، ثم في لحظة واحدة أجد نفسي قد عدت إليه! والمشكلة أنني حين أقع فيه، أبقى أحيانًا يومين أو ثلاثة، وأحيانًا أسبوعًا، ثم أعود إليه مرة أخرى.
أنا أتوب كل يوم، لكنني أعود، ولا أعلم لماذا؟! وفي الوقت نفسه أحاول أن أُصلّي وأدعو الله كثيرًا، والآن أحاول إقناع والدي بفتح حلقة تحفيظ، وقد أقنعته بذلك لأحصل على الحسنات، ومع ذلك أعود إلى الذنب، فأشعر أنني أكره نفسي، وأكره كل شيء.
اليوم شعرت وكأن الشيطان يتحداني، يقول لي: "ها أنتِ تتوبين وتعودين، وتدعين، والله لا يتقبّل منكِ"، فأشعر أنني أكره نفسي أكثر!
جلست أفكّر مع نفسي: فأنا أعلم كم أن الله جميل، وعفو، وغفور، وأنا موقنة بذلك، لكنني لا أريد أن أستمر في هذا الحال، ولكن فجأة أجد كل شيء قد انهار فوق رأسي.
أشعر أنني بهذا الشكل منافقة، ماذا يحدث لي؟ أريد أن أنتقم، وأتشاجر مع والدتي، وأدعو الله، وفي الوقت نفسه أرتكب هذا الذنب الحقير، فماذا يعني هذا؟ ما حقيقتي؟
والآن لدي سؤال: التوبة تجب ما قبلها، لكن إذا عدت إلى الذنب، هل تعود ذنوبي كما كانت؟ هل تُمحى ثم تُسجّل من جديد؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Alaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
أولًا: نُهنّئكِ بفضل الله تعالى عليكِ حين حبّب إليكِ التوبة والرجوع إليه، والاستغفار من الذنب، وحين كرّه إليكِ هذه المعصية؛ فهذا فضلٌ من الله تعالى كبير، ونعمة عظيمة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُو۟لَئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
فنوصيكِ -ابنتنا الكريمة- بشكر نعمة الله تعالى، ومن مظاهر شكر هذه النعمة: الثبات على التوبة، والاستمرار عليها، والرجوع إليها كلما أذنبتِ ذنبًا.
وقد أصبتِ كبد الحقيقة حين تفكّرتِ في عفو الله تعالى ومغفرته ورحمته بعباده، وحين توصّلتِ إلى أن الله -سبحانه وتعالى- جميل، وهو كذلك، فمن أسمائه "الجميل"، فقد قال عنه الرسول الكريم ﷺ: «إن الله جميل»، وهو -سبحانه وتعالى- عفوٌّ غفور، يُمهل ويُسامح ويعفو، ولا أدلّ على ذلك من أنه -سبحانه وتعالى- يستر قبائحنا وذنوبنا، ويُعطينا الفرصة بعد الفرصة لنتوب ونرجع.
وهذا التفكّر في آلاء الله تعالى ونعمه وأسمائه وصفاته، هو من أفضل الأبواب التي يدخل منها الإنسان على الله تعالى، ويسلك بها طريق العبادة.
فنهنيكِ بما فتح الله تعالى به عليكِ من هذا الخير، وندعوكِ -ابنتنا الكريمة- إلى المبادرة بالتوبة كلما وقعتِ في الذنب أو المعصية، ولا ينبغي أبدًا أن تيأسي من رحمة الله تعالى، ولا تدعي للشيطان مجالًا لأن يغرس في قلبكِ اليأس والقنوط من رحمة الله؛ فإن ابن آدم بطبيعته التي خلقه الله تعالى عليها خطّاء، كما قال الرسول ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي)، وقال ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ ذَنْبٌ يُعَاودُه، الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ»، ثم قال ﷺ: «إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ مُفَتَّنًا تَوَّابًا نَسَّاءً» (رواه الطبراني).
فوصفه بهذه الأوصاف الثلاثة: أنه مُعرّض للفتنة والاختبار، وأنه يتوب إذا أذنب، وأنه ينسى بعد ذلك ويقع في الذنب مرة ثانية، فهذا حالٌ طبيعي موجود في الإنسان، وقد جاء في ذلك حديثٌ عظيم رواه الإمامان البخاري ومسلم، قال فيه ﷺ فيما يحكيه عن ربه عز وجل، قال -أي قال الله-: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ».
فهذا الحديث العظيم يُبيّن فيه الرسول ﷺ السيرة العملية لهذا الإنسان، وأنه يقع في الذنب، والموفّق هو الذي يتوب سريعًا، بدون مماطلة أو تسويف، وهذه التوبة لا بد أن تكون توبةً كاملة، مستوفيةً لأركانها، وهي ثلاثة:
أولها: الندم على فعل الذنب.
وثانيها: العزم والتصميم على ألَّا يفعله مرة ثانية.
وثالثها: الإقلاع عنه في الوقت الحاضر.
فإذا تاب الإنسان هذه التوبة؛ فإنها تمحو الذنب الذي قبلها، كما قال الرسول ﷺ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» (رواه أحمد وابن ماجه).
وليس من شرط التوبة أن الإنسان لا يرجع مرة ثانية إلى الذنب، إنما الشرط أن يعزم بقلبه ألا يرجع، لكنه إذا أغواه الشيطان بعد هذه التوبة، وضعفت نفسه، وزلّت قدمه، فوقع في المعصية مرة أخرى، فإنه مطالب بتوبة جديدة.
والوقوع في الذنب للمرة الثانية لا يُبطل التوبة السابقة، فالتوبة السابقة صحيحة ما دامت قد استكملت أركانها.
وبهذا تُدركين أنكِ مطالبة بالتوبة كلما وقعتِ في هذا الذنب، وأن تكون توبتكِ مستكملة لأركانها، فإذا وقعتِ في الذنب مرة أخرى؛ فجدّدي توبة جديدة، وهكذا، وأنتِ بذلك سالكة للطريق الصحيح.
وأبشري بعفو الله تعالى ومغفرته؛ فالله تعالى يُحب التوابين، لا يكرههم، هكذا أخبر في كتابه الكريم، فقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوْابين}، وأخبرنا الرسول ﷺ أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده، وهذا الفرح ليس لحاجته للعبد ولا لتوبته، ولكنه يفرح -سبحانه وتعالى- لأنه يريد أن يُعطيه ويُثيبه ويأجره، فهو فرح الكرماء، يفرح ليُعطيك أيها الإنسان، وقد أخبر الله في كتابه أنه يُبدّل سيئات التائب حسنات.
فأبشري بكل خير من الله -سبحانه وتعالى- وجاهدي نفسكِ بقدر استطاعتكِ على ألا ترجعي للذنب مرة أخرى، وخير ما نوصيكِ به: الرفقة الصالحة، فحاولي أن تتعرّفي على النساء الصالحات، والفتيات الطيّبات، وتواصلي معهنّ، واستعيني بهنّ على الطاعات؛ فهنّ خير من يُعينكِ على الثبات على التوبة.
نسأل الله تعالى لكِ التوفيق والسداد.