لم أنجب سوى طفلة واحدة ونظرات الناس لا ترحمني، فماذا أفعل؟

2025-11-09 02:16:19 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أنا متزوجة منذ 6 سنوات، وقد رزقني الله بطفلة واحدة عمرها 4 سنوات، ولم يحدث حمل بعدها، رغم زيارتي للطبيبة وإجراء الفحوصات، حيث ذكرت أنه لا يوجد مانع واضح للحمل.

الآن وقد تقدّم بي العمر، إذ بلغت أواخر الثلاثينات، صرفت النظر عن فكرة الحمل، رغم أنني حمدت الله على نعمته، وجعلت من ابنتي صديقة لي، وأصبحت كل حياتي.

لكنني أجد صعوبة في تجاوز نظرات من حولي، الذين ينظرون إليّ بسلبية، وكأن الأمر كان بيدي، وكأنني أصبحت عجوزًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في موقع استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

بداية -أختي الكريمة- ينبغي أن تدركي أن الناس لن يكفّوا عن الكلام، ولن تتوقف نظراتهم مهما حاولتِ، فهذه سِمَة بشرية قديمة لم يسلم منها أحد، حتى الأنبياء عليهم السلام، يقول الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾

وهذا دليل على أن اللمز والطعن والكلام في الناس صفات متجذّرة في النفوس، لا يمكن منعها بالكلية، لكن يمكن التعامل معها بحكمة وقوة إيمان، فالواجب على الإنسان أن يجتهد في بناء ذاته، وتعزيز ثقته بالله تعالى؛ حتى يتمكن من مواجهة تلك النظرات، أو الأحاديث السلبية التي تصدر من الآخرين.

ورغم أن الإسلام نهى عن السخرية والغيبة واللمز، إلا أن هذه الصفات تبقى موجودة عند ضعاف الإيمان، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾.

أختي الكريمة: لتجاوز نظرات الناس أو كلامهم الجارح ننصحك بأن تعمّقي ثقتك بالله تعالى وتؤمني بحكمته وعدله، فحين يمتلئ القلب يقينًا بأن كل ما يقدّره الله هو خير، تزول الهموم من النفس، ويقوى الإنسان على مواجهة النقد أو النظرات القاصرة بثبات واطمئنان.

ومن أيقن أن تدبير الله أرحم به من تدبير نفسه، لم يضره قول الناس ولا لمزهم، وقد قال رسول الله ﷺ: «عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (رواه مسلم).

تأمّلي قوله ﷺ: «عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ» وقوله: «وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ»، فالمؤمن الحق يعيش في سكينة دائمة؛ يرضى بما قُدّر له أو عليه، ويأخذ بالأسباب، ثم يسلّم النتائج لخالقه عز وجل.

وهذا التسليم لا يعني الضعف، بل هو قمّة القوة، لأن القلب إذا استقر فيه الرضا والإيمان والتسليم لله تعالى، زالت عنه المخاوف من كل شيء، ومنها كلام الناس ونظراتهم.

اختي الفاضلة: تذكّري دائمًا أن قدرة الله لا يحدّها شيء، فهو سبحانه القادر على أن يهب الولد لمن بلغت الكِبَر، وأن يمنع عن غيرها لحكمة يعلمها، وكم من امرأة رزقها الله بعد سنين طويلة، وكم من أمٍّ كانت أمنيتها الولد، فلما رُزقت به كان سبب همّها وشقائها! فالعبرة ليست في كثرة الأبناء، بل في البركة والرضا والسكينة، قال الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

أمَّا كيف يتم بناء اليقين والثقة بالله، فلا بد أولًا من معرفة الله حق المعرفة بالعلم به وبقدرته وسعة علمه وحكمته، وأنه القادر الحكيم المحيط بكل شيء، فهو القائل: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

ثم بعد ذلك بالمبادرة إلى العمل الصالح والاستقامة على طاعته، والإكثار من القربات والنوافل والدعاء والمناجاة؛ فالقلب المتصل بالله يمتلئ نورًا وطمأنينة، ويجد لذة في القرب من الله تعوّضه عن كل شيء، وقد قال تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وعندما يذوق العبد حلاوة الإيمان، يستهين بنظرات الناس وأحاديثهم السلبية، لأنها لا تمس جوهره الحقيقي، وعلاقته بالله تعالى.

لذلك ننصحكِ أن تجتهدي في تقوية صلتك بالله تعالى، بالإكثار من الذكر والدعاء في كل حال، وسؤاله الثبات والصبر والسكينة، وأن يصرف عنكِ همزات الناس ونظراتهم السلبية.

كما ننصحكِ بأن تشغلي وقتك بكل ما هو نافع ومفيد؛ كطلب العلم الشرعي، أو حفظ القرآن وتلاوته، أو المشاركة في الأعمال التطوعية النافعة، فكل عمل صالح يشغلكِ بالخير، ويمنحكِ ثقة بنفسك، ويصرفك عن التفكير في كلام الناس مما يقلل من تأثيرها السلبي.

وابتعدي قدر استطاعتك من مجالسة الأشخاص أو البيئات التي تُثير تلك النظرات، أو تحاول إيذاءك بالكلام أو التلميح، فالبُعد عنهم راحة للقلب وسلام للنفس.

وأخيرًا: تذكّري أن الإنسان لا يُقاس بعمره ولا بعدد أبنائه، بل بما يحمله من إيمان وخلق ورضا، فكوني كما أراد الله لكِ مؤمنةً، صابرةً، راضيةً، مطمئنةً.

نسأل الله أن يوفقكِ لكل خير، ويصرف عنكِ السوء، ويملأ قلبكِ سكينة ويقينًا.

www.islamweb.net