أبي سريع الغضب وكل نقاش معه ينْتَهِي بمشكلة!

2025-11-12 04:43:19 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب، أسألكم أن تدعوا لي بالعلم النافع والرزق والبركة؛ لدي مشكلة، وهي أني أتناقش مع أبي وهو سريع الغضب، علماً أني لا أسعى لإغضابه، بل بالعكس أتجنب أن أتناقش معه بشيء يغضبه، ولكنه يأتي بكلام قديم فيُحَرِّفُه أو ينكره، مع أني أعلم أنه قال هذا الكلام وواثق جدًا منه.

مشكلتي هي أن الكلام الذي يقوله وينكره في الغالب كلام يتعلق بشخص، بمعنى يكون متحدثًا عن شخص (مثلًا: قد تبرأ من أختي وينكر ذلك، واتهم أمي وأهلي بكلام بذيء وهو لم يحدث منهم، ويقوم بنكرانه، وفي آخر نقاش، طلب مني أن آتي بوثيقة الزواج للطلاق من أمي، وعندما قلت له: "أنت قلت لي"، قال لي: "بل أنت الذي قلت ذلك"، وأنا قلت له: "أُفَضِّلُ الانفصال لتخفيف المشاكل"، ولكن لم أقل "وثيقة الطلاق"، وهو من قالها لي وكان غاضبًا، وقلت له: "حسناً"، ولم آت بها، وتحججت بعذر من اختراعي، لكي نتجنب لسانه، فهو يقول: "سوف أقوم بفضحكم أو بإحداث فضيحة لكم كي أُثبِت للناس أني على حق وأنكم أناس غير محترمين"، مع أنه لم يحدث منا أي شيء بذيء -والعياذ بالله-، وأنا أعلم ذلك، ولكنه يريد أن يكون هو المنتصر دائمًا، وأنه على حق).

عند نقاشي معه كي أُصْلِحَ، أجده يقول لي: "أتريد أن تعلمني فن التعامل؟"، مع أني فقط أريد أن أوضح أنه ليس كل الناس سواسية، فكل شخص يُتَعامَلُ معه حسب فهمه وشخصيته.

ملحوظة: هو يحلف بالله ويقول إنه لم يقل ذلك، مع العلم أنه يصلي ويقرأ القرآن، فاحتَرْتُ ما إذا كان مسحورًا أم هذه شخصيته! وهو دائمًا ما يمسك الزلات ويتحدث عن الماضي، فأنا أقول له: "إننا نَتَّعِظُ منه، ولكن لا نُذَكِّرُ الناس بأخطائهم بين الفينة والأخرى، فهذا يُنَفِّرُ الناس".

أنا أعلم أني إذا وافقته في كلامه سوف يُمْسِكُ هذا الكلام ويُعِيدُه لي كل مرة، ولن أستطيع إنكاره؛ لأني قلته، وفي نفس الوقت، إذا خالفته اشتد غضبًا وشرع في الكلام البذيء، (مثلًا: في الأمس قام بِسَبِّ ديني ودين أهلي جميعًا)، أبي نادرًا جدًا أن يتناقش معنا خارج إطار المشاكل، فكل بداية مكالمة أو نقاش تَنْتَهِي بمشكلة قادمة.

الموجز أني لا أريد أن أعُقَّه، ولكن لا أريد ظلم أناس آخرين، فإن أَمْسَكَ زلَّتي استخدمها ضدي وضد الناس، فهذا ما يدفعني لكي أخالفه، هو يريدني في صفه حتى وإن كان مخطئًا، فهو في نظره صَوَابٌ، فماذا أفعل؟ وهل يجوز أن أتجنب الحديث معه لتجنب المشاكل؟ وهل يصبح هذا عُقوقًا؟

أسأل الله لنا الهداية والرشد، وأن يصلح حالنا وحال الأمة الإسلامية، بارك الله فيكم، وشكرًا لمجهوداتكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسْنَ العرض للسؤال، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يهدي الوالد لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يُعينكم على بِرِّه والصبر عليه، واعلم أن الصبر على الوالد من أوسع أبواب بِرِّه، وإذا لم يصبر الواحد مِنّا على والده فعلى مَن يكون الصبر؟!

ننصحك بأن لا تجادل الوالد كأنه زميل، وبأن تُحْسِنَ الاستماع، وتُمرِّرَ بعض الأشياء؛ لأن الجدال والنقاش واضحٌ أنه لا يُثمِرُ إلَّا مزيدًا من الشر، ومزيدًا من الإساءة، وإذا كنت -ولله الحمد- تعرف أنك على حق، فلا يضرك الكلام الذي يقوله الوالد، وليس من الصواب أن يجلس الإنسان أمام والده أو والدته فيُجادِلَه ويُناقِشَه في أمور ربما هي غير صحيحة، لكن إذا كان لا يَقْبَلُ، فأرجو ألَّا تحاول النقاش، بل أعتقد أنه بسكوتك سيصل إلى نهاية سيترك معها هذا الأسلوب؛ لأنه لا يجد مَن يُجادِلُه ولا يجد مَن يُحاوِرُه.

والإنسان في تعامله مع والده حتى لو كان مخطئًا، لا بد أن يكون في منتهى اللُّطْف، ودونك ما جاء في كتاب ربنا عن الخليل، وهو يدعو والدًا لم يكن فقط مشركًا، إنما كان زعيمًا لأهل الشرك، سادنًا لأصنامهم، مع ذلك: {يا أبتِ ... يا أبتِ ... يا أبتِ ...}، كان الحوار في منتهى اللطف، بل لما غضب منه وقال: {لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}، لم يُقابِلِ الخليل هذا الكلام بقسوة، وإنما قابله بقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا*وَأَعْتَزِلُكُمْ}.

ولذلك: إذا غضب الوالد فابتعد، ثم عُدْ بعد قليل بمزيد من البر والصلة والإحسان، وإذا كان الوالد يتكلم في الآخرين، أيضًا فاسكُتْ، ثم بعد مدة اذكر محاسنهم، أو اطلب منه أن يذكر الخير، فإذا لم يقبل هذا، وكان هذا سببًا في أن يزيد في عدوانه عليهم أو عليك، فليس أمامك إلَّا السكوت.

وإذا شعرت أن والدك ظلم شخصًا معينًا، فتصدَّقْ نيابة عن الوالد، وادعُ الله لذلك المظلوم، وهذا من البر، ومن شراء المظالم التي ربما يقع فيها الأب وتقع فيها الأم، ونسأل الله أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب.

ونكرر دعوتنا لك بأن لا تُطِلِ الجدال مهما كانت النتائج، ومهما كانت الأشياء التي يصدقها؛ لأن الواضح أنه لا فائدة، بل كثرة الجدال تُوَتِّرُ الأمور، وقد يصل إلى كبائر، مثل أن يَسُبَّ الدين أو نحو ذلك، كما أشرت. والقرآن دعا أهل الإيمان ألَّا يَسُبُّوا الذين يَسُبُّون ربنا العظيم: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، لأن هذا يَحْمِلُهم على مزيد من الإساءة؛ يعني: لا نَسُبُّ أهل الشرك؛ لأن هذا يترتب عليه أن يَسُبُّوا ربنا العظيم، وأيضًا لا تُجادِلْ والدك؛ لأن المجادلة يترتب عليها الخطر العظيم.

نسأل الله أن يُعينك على تجاوز هذه المواقف الصعبة، وأن يُعينك على البِرّ، نكرر التذكير بأن الصبر على الوالد لونٌ من بِرِّه، فنسأل الله أن يُعينك على الصبر، وأن يهدي الوالد لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يصرف عنك وعنه سيئ الأخلاق، لا يَصْرِفُ سيئها إلَّا هو، وأن يُلهمنا السداد والرشاد، وأن يرزقنا بِرَّ آبائنا وأمهاتنا في حياتهم وبعد مماتهم، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

www.islamweb.net