كيف أكف أذى والديّ عني دون أن أقع في عقوقهما؟

2025-11-18 01:33:29 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

عمري 27 سنةً، أعيش مع والدي، وأصبت -كما أخبرني الأطباء- بمرض جرثومة المعدة، مما نتج عنه إصابتي بالتوتر العصبي، والضغط النفسي المستمر، والكتمان، وشخصيتي بالأساس حساسة جدًا، تكوّنت في ظروف قاسية من المعاناة اليومية.

والدي -أطال الله في عمره- رجل لا ينفك عن إيذائي بسلوكه؛ فهو دائم الخصام مع إخوته، حتى بلغ به الحال إلى القطيعة، ولا يقبل الرأي الآخر، بل يفرض رأيه فرضًا، ويظلمنا في المعاملة دون مراعاة لمشاعرنا.

في طفولتي كان يضربني لأسباب تافهة، وهو يحتقر المرأة احتقارًا شديدًا؛ فلا يتوقف عن ترديد أن النساء "ناقصات عقل ودين"، وأن "أكثر أهل النار النساء"، ويقول: النساء "يَكفرن العَشِيرَ"، مفسرًا إياه بأن النساء جاحدات، وناكرات للجميل؛ مما يشعرني بالظلم والألم كامرأة تريد أن تكون شاكرةً لله، ودائمًا ما يختار لي ولأخواتي عرسانًا مطلقين؛ تكون لديهم مشاكل معروفةً مع زوجاتهم، وهو متعصب لرأيه أشد التعصب، قاسٍ في تربيته، لا يتورع عن إهانة كرامتي كامرأة، ويحمّلنا تبعات مشاكله مع الآخرين.

أما والدتي -حفظها الله- فتصرفاتها لا تقل ألمًا عن والدي؛ فهي تتهرب من مسؤوليات البيت، وتضربني، وتهينني منذ طفولتي، وتقابل فتح قلبي لها بالقسوة والجفاء، ولا تكف عن التقليل من شأني وقدراتي، وإذا شكوت لها تجيبني بقولها: "أنا أمك أعمل ما أشاء".

وهي تميز بيننا في المعاملة والرعاية، وهذا أكثر شيء أثر في شخصيتي، وتكثر من مقارنتي بالآخرين؛ مما يزيدني شعورًا بالنقص، ولا تبدي أي اكتراث لمشاعري أو أحاسيسي، وتتصرف في شؤون الأسرة بتصرفات طفولية، وتتهمني باتهامات باطلة دون سبب، ولا تكاد تجلس معي حتى تظهر عليها علامات الانفعال، وتتحدث معي بأسلوبٍ قاسٍ، وتقلل من شأني حتى أمام الآخرين، وكأنها تريد أن تظهرني دائمًا بصورة الطفلة الصغيرة التي لا تستحق التقدير.

لقد حاولت لسنوات طويلة أن أتحمل وأصبر، وأن أبرّهما بكل ما أستطيع.

سؤالي: كيف لي أن أوازن بين بر الوالدين الذي هو من أعظم الفرائض، وبين حماية نفسي من الأذى النفسي والجسدي؟ وهل يمكنني أن أضع حدودًا في التعامل معهما دون أن أقع في عقوقهما؟ وهل هناك رخصة لشخص في حالتي أن يبتعد قليلاً للحفاظ على صحته؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ bbnan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارت اسلام ويب، وقد قرأت رسالتك، والجواب كالآتي:

أولاً: -ابنتنا الكريمة- قبل كل شيء، وقبل الدخول في تفاصيل حل مشكلتك، أوصيك بوالديك برًا وخيرًا؛ فقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين، قال تعالى: (وبالوالدين إحسانًا)، وقال القرطبي: "الإحسان إلى الوالدين، برهما، وحفظهما، وصيانتهما، وامتثال أمرهما، وإزالة الرق عنهما، وترك السلطنة عليهما"، والأحاديث النبوية كثيرة في هذا الباب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر" حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك" متفق عليه.

وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين". رواه الترمذي.

‏ثانيًا: وأما ما ذكرت من إيذاء الوالدين لك، سواءً الأب، أو الأم، فعليك بالصبر على إيذاء الوالدين، مع محاسبة نفسك؛ فربما يكون هناك خلل منك؛ وبالتالي يقابل بشدة من قبل الوالدين، ولا سيما الأب، مع التذكير ببر الوالدين، ولا بأس بالجلوس مع الوالدين، والسؤال عن سبب هذه المعاملة، وإذا كانت هذه المعاملة من قبل الوالدين دون سبب، فينبغي السعي في إزالة هذا الأذى عن طريق أعمامك وعماتك بالنسبة للأب، وعن طريق أخوالك وخالاتك بالنسبة للأم.

‏ثالثًا: الوالدان ليسا كغيرهما؛ فقد أنزلهما الشرع الحكيم منزلةً خاصةً، وأوجب البر بهما، والإحسان إليهما، ولو كانا كافرين مجتهدين في سبيل إضلال ولدهما، وصده عن الحق، ورده من الإيمان إلى الكفر، كما قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا) لقمان: 15، فالمقصود من هذا كله بيان منزلة الوالدين، وحقهما على ولدهما، وأنه لا يجوز للولد أو البنت الإساءة إلى الوالدين، والسعي في إيذائهما، أو إلحاق الضرر بهما، وإن أساءا إليك، مع بيان عدم جواز ظلم الوالدين للأبناء والبنات على حد سواء.

‏رابعًا: ذكرت أمرًا عن الوالد أنه لا ينفك عن الإيذاء لك، وأنه أتم الخصام مع إخوته، وأنه يفرض رأيه، ويظلمك في المعاملة دون مراعاة لمشاعركم، وضربه الشديد في وقت الطفولة، واحتقاره للمرأة، إلى آخر هذا الكلام، والدين لا يقر الأب على هذه الصفات، لكن مهما كان الأمر فهو في الأول والأخير أبوك، وسبب وجودك في هذه الحياة، ونسأل الله له الهداية، وحسن المعاملة معكم.

‏وأما هذه العبارات التي رددها والدك وهي: "أن المرأة ناقصة عقل ودين"، "وأن أكثر أهل النار النساء"، إلى آخر ما يردده والدك؛ فهذه العبارات كلها صحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الوالد يستعملها في غير موضعها؛ فالمرأة كرمها الإسلام، وهي شقيقة الرجل، قال -عليه الصلاة والسلام-:(النساء شقائق الرجال) رواه أبو داود.

‏خامسًا: أما علاج التوتر العصبي، والضغط النفسي المستمر، والكتمان الذي تعانين منه، فلا بد من أن تأخذي بالأسباب التي تعينك على مدافعة هذا التوتر العصبي، والضغط النفسي، وعلاجه يكون بالآتي:

١- التعبير عن الذات من الوسائل المهمة لتخفيف التوتر والعصبية.
٢- الإكثار من قراءة القرآن الكريم؛ فإنه يشرح صدور المؤمنين، ويخفف من التوتر وضغط النفس.
٣- الإكثار من الاستغفار؛ وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله وسلم-: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أبو داود.
٤- ممارسة الرياضة فهي تنفيس للإنسان.

٥- الأدعية المأثورة، والتي منها ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذك بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) رواه أبو داود، وكذلك أيضًا هذا الدعاء: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"، وكذلك ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعائه: (اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، او استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي) صححه الألباني.

‏سادسًا: أما علاج الحساسية الموجودة عندك: فأقول: لا بد من ثقة الإنسان بنفسه بعد ثقته العظيمة بربه وخالقه سبحانه وتعالى، وهذه المواقف التي يتعرض لها الإنسان توجد الحساسية الزائدة؛ فلذا لا بد أن يفكر الإنسان بجدية أن هذه المواقف سخيفة، وينبغي أيضًا أن يكون أكبر منها، والمطلوب أن يطور الإنسان نفسه اجتماعيًا؛ فعليك باللقاء، والمجالسة مع أقاربك من جنسك، والاجتماعات بهن، وشيئًا فشيئًا ستجدين نفسك قد تعودت في هذه المواقف، وصرت أكبر منها، فحاولي مشاركتهن في الكلام -في الخير طبعًا-، حتى تحصل الثقة بالنفس، وتنتهين من مسألة الحساسية الزائدة.

وأخيرًا بعد هذا البيان، لن تعجزي عن الموازنة بين حماية نفسك، وبين بر الوالدين، كما أنه لا يمكن الابتعاد عن والديك، فادفعي بالتي هي أحسن، واتركِ الانتصار لنفسك، مع الصبر عليهما، ولن يضيعك الله، ولعل الله أن يرزقك بزوج صالح يخرجك من هذه الأمور كلها بحول الله وقوته.

أسأل الله لك التوفيق والإعانة على الخير، وأن يفرج الله همك، ويصلح حالك مع والديك، اللهم آمين.

www.islamweb.net