كيف أدبر نومي مع حاجتي للمذاكرة والتزام الهدي النبوي؟
2025-11-24 00:29:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا موظف أعمل من الصباح إلى غروب الشمس، ولدي همة في دراسة الزمالة المحاسبية؛ لأنتفع بها وأفيد المسلمين.
ولأنني لا أملك وقتًا كافيًا، اعتدت أن أنام بعد صلاة العشاء مباشرة، ثم أستيقظ بعد حوالي أربع ساعات ونصف، فأدرس ثلاث ساعات، ثم أنام ساعة إلى ساعة ونصف قبل الفجر، وبعدها أستيقظ لصلاة الفجر ولا أنام إلا بعد شروق الشمس.
وقد استنبطت هذا النظام من قيام داود عليه السلام، وفي ظني أن هذا القيام الشرعي لا بد أن يكون صحيًا وليس فيه ضرر؛ لأن الشرع حثّنا عليه، والنبي ﷺ إذا أمر بشيء فهو نافع في الدين والدنيا.
لكن بعد الاطلاع على الدراسات، وجدت أنها تقول: إن هذا النظام مضر، كما أن الطبيب أوصاني بأن أنام من 8 إلى 10 ساعات يوميًا.
أفيدوني، أفادكم الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى لك مزيدًا من التوفيق والنجاح.
ونهنئك -أيها الحبيب- بما مَنَّ الله تعالى به عليك من الحرص على استغلال وقتك والانتفاع به، ومحافظتك على صلواتك في أوقاتها، كما نشكر لك علو همتك وحرصك على معالي الأمور، وهذا من توفيق الله تعالى وتسديده، فندعوك إلى شكر هذه النعم، والمداومة على فعل الطاعات، واستغلال الأوقات، مع الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى- في تحصيل ما ينفعك، ودفع ما يضرك.
وبخصوص النوم -أيها الحبيب-: لا شك ولا ريب أن هدي النبي ﷺ هو أكمل الهدي وأحسنه، وهو الجامع بين مصالح الدين والدنيا، وقد جاء في وصف هدي النبي ﷺ في النوم ما ذكره الإمام العلّامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد"، فقد ذكر فيه فصلًا جميلًا ذكر فيه تدبير النبي ﷺ لأمر النوم واليقظة.
وممَّا ذكره في هذا الفصل الجميل العظيم قوله: "لم يكن -أي النبي ﷺ- يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج إليه، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه، وكان يفعله على أكمل الوجوه، فينام إذا دعته الحاجة إلى النوم على شِقِّه الأيمن ذاكرًا لله حتى تغلبه عيناه، غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب، ولا مباشر بجنبه الأرض، ولا متخذٍ الفرش المرتفعة".
وقال قبل ذلك: "من تدبَّر نوم النبي ﷺ ويقظته وجده أعدل نوم وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى، فإنه كان ينام أول الليل، ويستيقظ في أول النصف الثاني، فيقوم ويستاك ويتوضأ ويصلي ما كتب الله له، فيأخذ البدن والأعضاء والقوى حظها من النوم والراحة، وحظها من الرياضة مع وفور الأجر، وهذا صلاح القلب والبدن والدنيا والآخرة".
هذه الكلمات -أيها الحبيب- تُلخِّص لك الهدي الكامل والطريقة المثلى في تدبير أمر النوم، وقد اتضح لك من هذه الكلمات في وصف نوم النبي ﷺ أنه كان يأخذ من النوم بقدر الحاجة، فإذا دعته الحاجة إلى النوم نام، ولا شك ولا ريب أن هذه الحاجة تختلف من شخص إلى آخر، باختلاف الأبدان وطبائع هذه الأبدان.
فالشيء الجامع للجميع هو أن النوم أول الليل أفضل، أي بعد صلاة العشاء، ثم يقوم الإنسان في النصف الثاني منه، فيصلي ما تيسر له من نوافل الصلاة في ذلك الليل، وإذا كانت له أعمال -كما ذكرت أنت في سؤالك من مذاكرة علومك ودروسك- فعل ذلك.
وما أخبرك به الطبيب من أنه قد يكون مضرًّا بالصحة، إن قصد به أن هذا المقدار من النوم لا يصلح مع كل أحد، فربما يكون الكلام صحيحًا، وقد ذكر بعض فقهاء المسلمين أن النوم المتوسط للإنسان ما بين ست ساعات إلى ثمان ساعات، كما ذكر هذا أبو حامد الغزالي وغيره من علماء المسلمين، فليس هناك مقدار شرعي للنوم، بحيث نقول هذا هو المقدار الشرعي، وإنما يُرجع فيه إلى عادة الإنسان وقدر حاجته، من غير إسراف وتضييع للوقت في النوم، ومن غير تقليل من مِقدار النوم، بحيث يتأذى هذا البدن وتفوت عليه بعض المصالح.
وما ذكرته من نوم نبي الله داود -عليه السلام- وقيامه في الليل كلام صحيح، فإنه كان ينام نصف الليل، ثم يقوم ثُلُثه، ثم ينام سدسه، وممَّا لا شك فيه أن الليل يتفاوت طولًا وقصرًا في فصول السنة، فستختلف الساعات باختلاف فصول السنة، وهذا يؤكد أنه ليس ثمَّ مقدار محدد يقال عنه مقدار شرعي للنوم، وإنما يكون بقدر الحاجة، إنما جاء الهدي النبوي في بيان الأوقات المستحسنة للنوم، وكيفية إدارة هذا النوم، وما هو أنفعه للبدن وأوقاته ونحو ذلك.
ونوصيك بقراءة هذا الفصل من كتاب "زاد المعاد" المجلد الرابع المعروف بالطب النبوي، فقد عقده تحت هذا العنوان الذي ذكرناه لك من قبل: "فصلٌ في تدبيره لأمر النوم واليقظة".
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُوفِّقنا وإياك لكل خير.