وساوس كفرية متعلقة بالذات الإلهية تهاجمني في الصلاة، ساعدوني!
2025-11-26 23:42:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
منذ شهرين من الله علي ورزقني توبةً نصوحًا من كل شيء كنت أقوله عن جهل، أو أفعله من معاصٍ، ومنذ ذلك الوقت وأنا تراودني أفكار دينية، وتكفيرية عن الماضي، ترعبني جدًا، لدرجة أنني كل يوم تقريبًا أعود إلى المنزل وأغتسل، وأتشهد احتياطًا؛ لعلي قلت أو فعلت شيئًا يخرجني من الإسلام بالخطأ!
كنت إلى حد ما قويًا، وأتعامل مع تلك الأفكار، ولكن البارحة كنت أعمل في مكان بمفردي، ولا أكلم أحدًا، فجاءتني فكرة، أو جملةً قالها أحد منذ زمن أمامي، والله أنا لم أرددها، ولم أكن أتذكرها، ولم أنطقها في السابق، وحتى الآن لا أريد التفكير بها، ولا أتجرأ أن أذكرها؛ بسبب حجم بشاعة التلفظ بها بحق الله -جل وعلا-، وأول ما ظهرت هذهِ الفكرة شعرت بوخز في قلبي، وبدأت فورًا بقراءة القرآن والأذكار، ولكنها لم تذهب، حتى عدت للمنزل، وعادت لي مرةً أخرى أثناء صلاة العشاء.
سؤالي الأول: أنا لا أعلم إن كان هذا تفكير بإرادة مني، أم أنها وساوس؟ فقد كنت قبل النوم أتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأنطق الشهادتين حتى نمت.
سؤالي الثاني: ماذا لو كانت هذه الفكرة جاءت لي بإرادة مني، عن فعل أنا لم أرتكبه، فهل علي ذنب أو إثم؟ فأنا عند ظهور الفكرة أو الجملة مباشرةً شعرت بوخزة في القلب، وذكرت الله، وقرأت ما تيسر لي من القرآن، ولكني أخاف من أن أكون أنا المذنب، وهذهِ أفكاري، وليست وساوس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول وبالله تعالى أستعين:
نشكر لك قلقك من هذه الأفكار، كما نشكر لك تقدمك بهذه الاستشارة، ونرجو الله تعالى أن يعافيك ويعينك على العمل بما سنذكره لك من الإجابة عن ذلك.
ما تعاني منه هو وسواس ديني، قهري، إلحادي، يمكن علاجه، والخروج منه، إن أصغيت للإجابة التي ستذكر لك هنا، وتنفذها حرفيًا، والمؤمّل فيك أن تُصغي لإجاباتنا أفضل من إصغائك لتلك الوساوس والأفكار، وتنفذ ما سنذكره لك حرفيًا.
من الأدلة التي تدل على أنك تعاني من الوسواس القهري: ظهور الفكرة بدون رغبة منك، وشعورك بالخوف الشديد منها؛ كونها تطعن في الإيمان والعقيدة، وشعورك بالوخز في القلب عند مجيئها، ومقاومتها بسرعة بذكر الله تعالى، وكونك تكرهها ولا تريدها أبدًا، ثم عودتك لتكرار الشهادتين خوفًا من أن تكون قد خرجت من الدين، أو ارتكبت إثمًا عظيمًا.
هذه الوساوس تقع لكل أحد، وخاصةً الصالحين من عباد الله، والتائبين المخلصين، فمن لم يُصغِ لها، ولم يتحاور معها، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ينجُ منها -بإذن الله تعالى-، ويخنس منه الشيطان، ومن أصغى لها، وتحاور مع أفكاره، استحوذه الشيطان، وأدخله في دوامة لا يكاد يخرج منها.
اعلم أن الشيطان الرجيم عدو للإنسان، ولذلك فهو يحاول بكل الطرق إفساد دين المسلم وعقيدته، ولعلك تدرك قول الله تعالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" وقوله: "وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ".
فالواجب على كل مسلم أن يحذر من الشيطان الرجيم ووساوسه، وألا يصغي لأفكاره وخواطره، ولا يتحاور معها؛ فإن الإصغاء هو أول مطلب للشيطان الرجيم، فإن أصغى الشخص أدخله في مرحلة التحاور، ومن ثم إلى العمل.
كن على يقين أن الأفكار التي تأتي قهرًا، ولا يرضاها الإنسان، بل يكرهها، ويرفضها، ليست كفرًا، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلّم".
مجيء الوساوس والخواطر دون استدعائها، ورفض الإنسان لها، وبغضها، يعد من صريح الإيمان وقوّته، يؤجر الإنسان عليه، ففي الحديث أنه: "جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ".
هذا النوع من الوساوس يحاول الشيطان من خلاله محاربة التائبين، وبما أنك اقتربت من الله تعالى، فالشيطان يريد أن يعيدك لما كنت عليه، أو ييئسك ويقنطك من رحمة الله، ولهذا ورد في الأثر: "إن للشيطان نزغات عند التائبين حديثًا".
لست مؤاخذًا بهذه الأفكار حتى ولو كانت عن إرادة؛ لأن "الفكرة المجرّدة ليست كفرًا ما لم تُصدَّق بالقلب، أو تُنطق باللسان عن اختيار، ومجرد الخاطر ولو كان قبيحًا لا كفر فيه، ما دام صاحبه يكرهه ولا يقرّه"، ففي الحديث الذي مرّ: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم".
ليست هنالك حاجة للاغتسال والعودة للنطق بالشهادتين كلما وردت تلك الخواطر؛ لأن هذا هو ما يريده منك الشيطان الرجيم: أن يبقى الوسواس حيًا في ذهنك، وأن تظل في دوامة: هل أنت في دائرة الإسلام أم خارجها؟ ويبقيك في شك وريبة، ومن الوسوسة أن تفعل ذلك احتياطًا لدينك، فعليك ألا تفعل ذلك، وبهذا سوف تنتصر على الشيطان الرجيم.
اعلم أن الشيطان الرجيم ضعيف، وأنت أقوى منه، لكنه استضعفك حين أصغيت له، وتحاورت معه، ولهذا يقول ربنا تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا".
تساءلت: هل ما ظهر لك في العمل هو ذنب؟ والإجابة على ذلك أنه ليس ذنبًا، ولا كفرًا، ولا إثمًا؛ لأنك لم تتعمد الفكرة، بل أتتك قهرًا، ولأنك أول ما ظهر لك كرهتها، وارتجف قلبك، وذكرت الله سبحانه، وقد نص العلماء أن: "كراهية الفكرة بعد ورودها كفيلة بإثبات أن صاحبها مؤمن غير آثم"، فلا داعي لهذا الخوف الذي ينتابك.
هذا الخوف الذي ينتابك قد حصل لصحابي جليل أتى للنبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو من مثل هذه الوساوس، فقال: "وجدتُ في نفسي شيئًا لَئِن أُحرَق حتى أصير حممة أحبّ إليّ من أن أتكلم به" فقال -عليه الصلاة والسلام-: "الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة".
لا بد أن تفرق بين الوساوس والرغبة، وسأبين لك بعض الفوارق:
- فالوسواس: يأتي فجأةً، ويخيفك، وتكرهه، وتحاول الهرب منه، ولا يعبر عنك.
- أما الرغبة: فهي ناتجة عن اختيار منك، ويرتاح لها قلبك، ولا تنزعج منها نفسك، بل تسكن إليها.
والذي نوصيك به ما يأتي:
1- الإعراض التام عن هذه الأفكار؛ فلا تصغِ لها، ولا تتحاور معها، ولا تسأل: هل هي مني أو لا.
2- عدم الاغتسال حين تأتيك هذه الأفكار الوسواسية، وعدم النطق بالشهادتين.
3- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما أتتك هذه الأفكار.
4- أكثر من قول: "آمنت بالله ورسله".
5- حافظ على أذكار الصباح والمساء في أوقاتها من خلال عمل منبّه في هاتفك يذكرك بوقتها؛ ففي ذلك حرز من الشيطان الرجيم.
6- حافظ على ذكر الدخول للمسجد؛ فإنه وقاية من الشيطان الرجيم، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل المسجد قال: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم." قال: أقط؟ قلت: نعم. قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم".
7- من الأسباب الواقية من الشيطان الرجيم قراءة آية الكرسي؛ ففي الحديث: "من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح"، وثبت عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال –يعني إذا خرج من بيته–: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقِيتَ، وتنحّى عنه الشيطان." وفي رواية: "فيقول –يعني الشيطان لشيطان آخر–: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟".
8- تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحين أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وأثناء السجود، وسَلْ ربك أن يصرف عنك الشيطان الرجيم، وهمزه، ونفخه، ونفثه.
9- لا بأس من مراجعة طبيب نفسي؛ فالوسواس القهري الديني له علاج دوائي وسلوكي مشهور وفعّال، وهذا لا يقدح في إيمانك، بل هو من العمل بالأسباب، وإن كنت أفضّل أن تعمل بما ذكرت لك سابقًا؛ لما للعقاقير الدوائية من مضاعفات.
لقد طلبت كلمةً تطمئن قلبك، فأقول لك -أخي الكريم-:
لو كنت كافرًا لما خفت، ولو كنت منافقًا لما بكيت، ولو كنت مستخفًا بالدين لما أتتك هذه الوساوس؛ فإن من استخفّ بالدين لا تأتيه هذه الوساوس، لأن المستخف بالدين قد فرغ منه الشيطان وصار من جنده.
خوفك من الله، وحرقة قلبك، ودمعة عينك، وتوبتك، وتلاوتك للقرآن والأذكار دليل على أنك عبد يحب الله، وأن إيمانك حيّ، وأن الله يصطفيك ليمتحنك ويرفع درجتك، وقد وعد الله من جاهد نفسه بالهداية، فقال: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا".
نسأل الله تعالى أن يصرف عنك هذه الوساوس، وأن ينصرك على الشيطان الرجيم، ونسعد بتواصلك.