أفكر في العودة لبلدي لتربية ولدي ويستوقفني سوء الأوضاع المادية!

2025-12-03 00:22:15 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا مهندس، متزوج، وأعيش في ألمانيا منذ خمس سنوات، ولدي طفل حديث الولادة. منذ ولادة طفلي ونحن نفكر في صعوبة تربيته، خصوصًا في بلاد غير إسلامية؛ إذ نخاف على ابننا من الضياع في هذا المجتمع الغربي، فقد سمعنا قصصًا عن طلاب مسلمين كانت إدارة المدرسة تسألهم عن سبب صيامهم بحجة أنهم لم يبلغوا سن الرشد، وغير ذلك من المواقف الكثيرة.

كما أن المجتمع هنا لا يساعد على تطبيق تعاليم ديننا بسهولة، كما هو الحال في الدول العربية، ونخشى على نسلنا أن يبقى في بلاد غير إسلامية.

الآن نفكر في الرجوع إلى بلادنا الأم، والعمل هناك حتى نتمكن من تربية أبنائنا على دين الإسلام بسهولة، غير أن الرجوع إلى بلادنا في الوقت الحالي سيترتب عليه كثير من الأضرار؛ فمثلًا ستفقد زوجتي عملها، ولو حصل أن وجدت وظيفة -وذلك بعد عناء- فمن المحتمل أن يكون مكان عملها بعيدًا جدًّا عن المنزل وعن مكان عملي؛ لأن عملها غالبًا ما يكون في المناطق القروية، بينما عملي يوجد فقط في المدن الكبرى، وفي هذه الحالة قد لا تعمل؛ وهذا سيؤدي إلى أضرار مادية على والديها الفقراء اللذين تعولهما، في حين أن راتبي الجديد لن يكون كافيًا لإعانتهما، خصوصًا أنهما مسنان ويعانيان من أمراض مزمنة، ولها أخ عاطل عن العمل ينتظر منها هو الآخر أن تساعده.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عملها مهم بالنسبة لنا أيضًا؛ لأنه إذا توقفتُ أنا أو عجزتُ عن العمل لسبب من الأسباب فلن يكون هناك من يعول طفلي وزوجتي بعد الله سبحانه وتعالى.

أريد معرفة حكم الإسلام في حالتي، هل يجب عليّ الرجوع وعدم المبالاة بما سيترتب على ترك زوجتي لعملها، أو على حالتي المادية التي ستتأثر سلبًا، أم البقاء هنا ومحاولة تربية طفلي على الدين الإسلامي؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، كما نشكر لك حرصك على تربية أولادك التربية الصحيحة التي أمرك بها الله وأمرك بها رسوله ﷺ، فإن الأبناء والبنات أمانة، يُسأل الوالدان عنهم.

وقد قال جل شأنه في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[التحريم:6]، والرسول ﷺ يقول: «‌كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ، ‌وَكُلُّكُمْ ‌مَسْؤُولٌ ‌عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ، ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، ومَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

وهمومك التي سطرتها في هذا السؤال هموم صحيحة -أيها الحبيب-، فإن البيئة تؤثر في هذا الإنسان بلا شك، ولهذا أرشدنا ربنا تعالى في كتابه الكريم إلى مصاحبة الصالحين، كما أكد ذلك رسولنا العظيم ﷺ في أحاديث كثيرة.

والحكماء يقولون: "الصاحب ساحب"، والعلماء يقولون: "الإنسان مدني بطبعه"، يتأثر بكل ما حوله، يتأثر بالحيوان لطول مجالسته له، ولذلك قال الرسول ﷺ: «السَّكِينَةُ في أهلِ الغنم، والفخرُ والخيلاءُ في الفدَّادين أهلِ الوبر»، يعني أهل الإبل.

فإذا كان هذا تأثير الحيوان في الإنسان، فكيف بتأثير الناس باختلاف أدواتهم التي يستعملونها لهذا التأثير؟ وإذا كانوا غير مسلمين، لك أن تتصور بعد ذلك مدى الفساد الذي يمكن أن يُغرس في نفس الطفل بسبب تولِّي هؤلاء توجيه هذا الطفل وإثارة الشكوك والشبهات لديه!

فهمومك هموم صحيحة، وينبغي أن تكون محل نظر وتأمل جيد في كيفية علاجها، ونحن بلا شك ننصحك من حيث النصيحة بالانتقال إلى البلاد الإسلامية، وإلى بلدك التي تأمن فيها على دين أولادك، ولو حصل إقلال من الدنيا، بحيث استطاع الإنسان أن يعيش، فإن هذا خير كثير وفيه كفاية، وقد قال الرسول ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا ‌فِي ‌سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، وقال: «‌قَدْ أَفْلَحَ ‌مَنْ ‌هُدِيَ ‌إِلَى الْإِسْلَامِ وَرُزِقَ كَفَافًا».

فلا ينبغي أن يهتم الإنسان المسلم بسبب السعة في العيش، وأن يجعل ذلك مُقدَّمًا على الحفاظ على دينه، وقد أخبر الرسول ﷺ عن المنهج الصحيح حين يتعرض الإنسان للفتن والمثيرات للمعاصي، وغير ذلك، فذكر أنه تكثر الفتن حتى يكون السعيد مَن له «غَنَمٌ ‌يَتْبَعُ ‌بِهَا ‌شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ»، هكذا قال عليه الصلاة والسلام: «يَفرُّ بِدِينِه».

فدين الإنسان هو رأس ماله في هذه الحياة، وبه تتحقق له السعادة في دنياه وفي آخرته، فلا ينبغي أن يكون هذا هو آخر الأولويات، فإذا استطعتم أن ترجعوا إلى موطنكم الأصلي، وكنتم تستطيعون فيه مواصلة العيش ولو بشيء من الضيق، مع المحافظة على أنفسكم وعلى أولادكم، فهذا خير كثير.

أمَّا من ناحية الحكم الشرعي الصريح في حكم الإقامة في بلاد الكفار؛ فالحكم -أيها الحبيب- أنه إذا كان الإنسان يستطيع القيام بشعائر دينه الظاهرة، مثل: الصلوات في جماعة، وصلاة الجمعة، إذا كان يستطيع المحافظة على دينه ويقوم بالشعائر الدينية، فيجوز له البقاء في بلاد الكفار، وإذا كان لا يستطيع ذلك، فعليه أن يتحول منها إلى بلاد يستطيع فيها أن يقيم تلك الشعائر.

هذا من حيث الحكم الشرعي، لكن إنزال هذا على الواقع يحتاج منك إلى نظر صحيح واجتهاد وتأنٍّ، وما دام الطفل لا يزال حديث الولادة، فيمكنكم أن تتخذوا من هذه السنوات الأولى الثلاث التي لا يزال فيها بعيدًا عن مخالطة المجتمع وبعيدًا عن المؤثرات، يمكن أن تتخذوا من هذه المدة فترة تستطيعون فيها ترتيب أموركم المالية، وتستعينون بالله تعالى على ذلك.

واعلموا أن الله تعالى لن يخذلكم، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجًا، هكذا قال الله في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:2-3]، وقال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:4]، فأحسنوا ظنكم بالله تعالى.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقكم لكل خير.

www.islamweb.net