حسن التغافل وعدم تتبع الأخطاء
2007-07-29 12:19:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف يمكن تقويم شخصٍ لا يلتمس الأعذار للآخرين ويبدأ في اتهامهم بمجرد سماع كلمةٍ من هنا أو من هناك أو أن يبني اتهامه على افتراض أنهم مُخطئون، مع العلم أنه يقع في نفس المواقف ويتعامل معه الآخرون بطرقٍ أخرى ويلتمسون له الأعذار، كما أنه لا يتقبل النقد ويرى أن الناس تتصيد له الأخطاء، وليس من السهل أن يتقبل النصح أو النقد إذا تعارض مع هواه الشخصي، والأشد من ذلك أنه لا يقبل الاعتذار، ويُفضل أن يشعر الآخرين بالذنب تجاهه. أفيدوني؟!
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ تامر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن التغافل من شِيَم الكرام، ومن يُقدم العفو والتسامح محبوبٌ على الدوام، وتجنب سوء الظن مما يميز أهل الإسلام، والمؤمن يحب للناس ما يجب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فهو لأجل ذلك يعامل الناس بمثل ما يجب أن يعاملوه به، وقد قال علي رضي الله عنه: (لا تظن بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً)، فإذا أخطأ صديقك فالتمس له الأعذار؛ كأن تقول: لعله قصد كذا أو لعله كان متأثراً بكذا، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً لا أعرفه، فإن تأكد لك الخطأ منه فتذكر ما عنده من إيجابياتٍ ومواقف سابقةٍ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عندما همَّ بالرجل: (إنه من أهل بدر، ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). وهذه دعوة لتأمل هذا المنهج العظيم، وقد قال الله في كتابه: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ))[الأعراف:199].
وأرجو أن يعلم الإنسان أن لوجوده في جماعةٍ ثمنٌ وضريبةٌ لابد أن يؤديها، فعليه أن يسعى في تعليم الجاهل واحتمال المُغضب، ورعاية الكبير، وتوقيره، والشفقة على الصغير، والحرص على توجهيه، وعليه باختصارٍ أن يأتي إلى الناس بمثل ما يحب أن يأتونه به.
وهذه وصيتي للجميع بتقوى الله ثم بعدم تتبع الأخطاء؛ لأن ذلك من تتبع العورات الذي ورد النهي عنه؛ بل جاء التهديد لمن يفعل ذلك بأن الله سوف يتتبع عورته، وأن من يتتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته.
ونوصي الجميع بعدم الإكثار من انتقاد الآخرين والحرص على أن يكون النقد - إذا حصل - بنَّاءاً وأن يكون هدفه الإصلاح، ومنهجه الإنصاف، فإنه من الظلم تجريد الناس من الحسنات والنظر إلى العيوب وحدها وتعداد الزَّلات، وطوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته، وكفى بالمرء نُبلاً أن تُعد معايبه، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
وهناك فرق كبير بين النصح والتعبير، وعلى من أراد أن تُقبل نصيحته أن يتلطف فيها، وأن يحرص على أن تكون سرية وخاصة إذا كان الخطأ لا يترتب عليه ضرر عام ككونه يجهر بمخالفته، وقد أحسن من قال:
تعهدني بنصحك في انفرادي ** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين النــاس لــون ** من التوبيـــخ لا أرضى سماعـه
فإن خالفتني وعصيت أمـري ** فلا تجــزع إذا لــم تُعــط طاعــة
وقد قال عمر رضي الله عنه: (لا خير في قومٍ ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبون الناصحين)، وقال الشافعي: (ليس أحد أكبر من أن يُنصح، وليس أحد أقل من أن ينجح).
ولا شك أن المسلم يقبل العذر وُيقدر المعتذر ولا يكثر اللوم والعتاب لأن ذلك يجلب النفور والخصام، ونحن ننصح الجميع بحسن التعامل فإن الدين هو المعاملة. ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
وبالله التوفيق.