التعب من الغربة والتردد بين مواصلة الدراسة والانقطاع .. مشورة تربوية
2008-11-05 08:30:13 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب سوري تركت كلية الهندسة في سوريا وراسلت كلية الطب في تركيا وقبلت فيها، وهي أقوى جامعة في تركيا، ولها ترتيب عالمي، والآن أنا في تركيا أدرس سنة لغة تركية لدراسة الطب البشري، ولكن أنا في تركيا حالتي النفسية جداً متردية، فأنا مقصر في دراسة اللغة التركية، وألم الفراق لأهلي ولوطني دوماً يؤرقني ولا أستطيع النوم جيداً، دوماً أبكي وأدعو الله أن يزيل عني الكرب.
أحاول الآن تفادي التقصير في اللغة، ولكن أخاف من الفشل كثيراً، فقد تركت كلية الهندسة بعد دراستي فيها لسنتين لأنني متعلق بدراسة الطب البشري، ولا أستطيع العودة إلى الهندسة لأنني أخذت شهادتي منها، ولا العودة للدراسة في سوريا، فبعودتي إليها سوف أذهب إلى الجيش لمدة سنتين، وأنا خائف جداً ولدي أرق، والدي طبيب يعمل في السعودية، أفكر في الذهاب للعمل بالسعودية، ولكن (عمل بلا شهادة).
أرجوكم انصحوني، لا تتركوا الرسالة بدون رد.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شاب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك في دراستك، وأن يربط على قلبك، وأن يجعلك من صالح الدنيا والآخرة.
بخصوص ما ورد برسالتك – ابني الكريم الفاضل حفظك الله ورعاك – فإن ما تشعر به أنت منه الآن ليس بشيء جديد على كل شخص يترك وطنه وأهله، فكل الناس – ولدي الكريم – بصرف النظر عن سنهم وعن دراستهم، إذا ترك وطنه وأهله يشعر بهذه الغربة الشديدة، ويشعر بما تشعر به أنت، فهذا الأمر أمر طبيعي وليس بغريب، وهو ليس بحالة شاذة ولا منكرة، ولكن الأمر الشاذ هو أنك استسلمت لهذه الحالة، استسلمت لها حتى أثرت عليك وجعلتك في حالة حزن دائم، وجعلتك تفقد النوم أو لا تنام جيداً، وجعلتك في كرب وهم دائم، ولذلك أقول لك:
أولاً: ينبغي أن تعلم أن هذه الحالة هي حالة كل رجل وشاب مثلك يترك وطنه وأهله، فأنت لست الوحيد في هذه الحال.
ثانياً: هذه الحالة لو استسلمت لها سوف تقضي على مستقبلك كله، فأنت الآن قد وفقك الله تعالى للدخول في أقوى جامعة في تركيا، جامعة لها ترتيب عالمي كما ذكرت وهي فرصة لا تعوض، هذه الفرصة لا تعوض لأنها فرصة نادرة، وأنت - بارك الله فيك – بعد فترة بسيطة سوف تتأقلم مع الجو لأنك مع الأيام سوف تتعود على هذه الغربة وسوف تنهض من حالة الضعف إن شاء الله تعالى، وتصبح قوياً عملاقاً بإذن الله تعالى.
ولكن حتى يتحقق ذلك لك - يا ولدي – فإنك تحتاج لعدة عوامل:
العامل الأول: حاول أن تبحث لك عن بيئة طيبة تعيش فيها، الصحبة الصالحة، أهل المسجد، لأنك تعلم أن أهل تركيا من المسلمين وأنهم يحرصون على التواجد في الصلاة بصفة معقولة، ولذلك أبحث عن المساجد التي يوجد فيها إخوانك العرب وحاول أن تربط نفسك بجماعة المسجد، ستجد فيهم الأخ وتجد فيهم الأب، وتجد فيهم الأم، وتجد فيهم الأخت، وتجد كل شيء تحتاجه بإذن الله تعالى، وبذلك سيحدث عندك نوع من التسلية، والتسلية من خلالها سوف تتغلب على هذه الحالة النفسية الآن.
إذا لم يتيسر لك الذهاب للمسجد لبعده عنك أو لأن المسجد لا يوجد فيه إخوانك العرب قريب، أبحث عن بعض الشباب المسلم الملتزم العربي وحاول أن ترتبط بهم، وأن تتعرف عليهم، وأن تتكلم معهم حتى توفر لنفسك بيئة عربية أصلية، بيئة إيمانية تستطيع من خلالها أن تتغلب على هذه المشكلة.
حاول أن تتواصل مع أهلك يومياً ولو عن طريق النت، وحاول أن ترى أمك يومياً وأن ترى أباك وأن ترى إخوانك وأن يروك، حتى يطمئن قلبك عليهم وكأنك تعيش معهم، كلما كانت لديك فرصة من الوقت حاول أن تدخل لتتواصل مع أهلك كأنك تعيش معهم، حتى تتشبع من العاطفة التي حُرمتها في خلال هذه الرحلة.
اعلم – ولدي الكريم – أن عودتك إلى سوريا بالنسبة لك دمار، وأيضاً ذهابك إلى السعودية غير مضمون، فإن والدك قد لا يستطيع أن يبحث لك عن فرصة عمل لتدخل المملكة العربية السعودية، وقد تدخل أنت بلا عمل فتُهان إهانة بالغة جدّاً، فأنا أوصيك أن تصبر وأن تتحمل هذه السنة؛ لأن المشكلة كلها في العام الأول، وصدقني بعد ذلك سوف تتأقلم مع الجو وتكون الأمور عندك سهلة ميسورة - بإذن الله تعالى – خاصة وأنك تركت كلية الهندسة بعد دراسة سنتين، يعني كان من الممكن أن تتخرج بعد عام، تركت هذا لرغبتك في دراسة الطب البشري حتى تكون كوالدك - حفظه الله تعالى -.
فأنا أقول - بارك الله فيك – من أجل هذه الغاية النبيلة لابد أن تتغلب على كل الصعاب، أولاً فأنت لست وحدك الذي تسافر، فهذه الحالة ليست حالتك وحدك، وإنما حالة كل أخ من إخوانك المسلمين العرب يأتون من أي مكان بعيداً عن أوطانهم بل والناس جميعاً.
ثانياً: أنت لديك القدرة لأنك رجل متميز ورجل متفوق، والحمد لله أن الله أكرمك بهذه الجامعة القوية المتميزة فهي فرصة لا تعوض، اجتهد جزاك الله خيراً في هذا.
حاول - بارك الله فيك – أن تنام على وضوء، وألا تنام إلا بعد أن تذكر أذكار النوم، وفي الصباح حاول جزاك الله خيراً أن تقول أذكار الصباح، خاصة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة، حافظ على الصلوات في أوقاتها، اجتهد إذا كان عندك فراغ أن تُكثر من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وتكثر من ذكر الله حتى يربط الله تبارك وتعالى على قلبك.
أنا لا أريدك أبداً أن تفكر في العودة ولا في الرجوع - يا ولدي – لا إلى السعودية ولا إلى أي مكان آخر، وإنما أريدك أن ترجع من تركيا وأنت طبيب ماهر متميز، وأنت قادر على ذلك.
ثق وتأكد أنك قادر على قهر هذه العقبات - بإذن الله تعالى – لأنك أولاً ما وصلت كلية الهندسة إلا بمجموع كبير، وما انتقلت أيضاً لكلية الطب إلا لأنك متميز، فأتمنى أن تكون متميزاً دائماً، فحاول أن تخرج من هذه الحالة النفسية التي أنت بها، وقم بالبحث عن مسجد فيه إخوانك العرب تقترن بهم، أو صحبة صالحة تربط علاقتك بها، مع التواصل الدائم مع أهلك حتى تشعر بالدفء العاطفي، وأن تضع أمامك هدفا وهو ضرورة تعلم اللغة التركية في أقصى فترة ممكنة من الزمن حتى تتميز؛ لأن هذه هي بوابتك إلى دخول عالم الطب وإلى دخول عالم الشهرة وإلى دخول عالم القدرة على تقديم خدمات لدى المسلمين.
ولدي: قل دائماً وقبل أن تنام وأنت في فراشك قل: (أنا قادر على تعلم اللغة التركية بإذن اللهِ) عشر مرات، وأول ما تقوم من النوم قل هذا الكلام أيضاً بصوت عالٍ: (أنا قادر على تعلم اللغة التركية بإذن الله تعالى) عشر مرات، مع الأذكار والدعاء، وأنا واثق أنك سوف تنتصر وسوف تنجح، وأتمنى ألا تفكر أبداً في الرجوع من تركيا إلا وقد أصبحت طبيباً ماهراً، وهذا ليس بصعب ولا بمستحيل على أمثالك من الشباب الطيب المبارك.
وفقك الله وأيدك وحفظك ورعاك وسدد خطاك، ونراك في رسالة أخرى وقد استقامت أمورك واستقرت أحوالك، وأصبحت طالباً منتظماً يدرس الطب لينفع المسلمين.
هذا وبالله التوفيق.