الرهاب الاجتماعي نتيجة الخوف من القراءة أمام الآخرين وكيفية التغلب عليه
2009-01-27 12:30:03 | إسلام ويب
السؤال:
دائماً أحب أن أحل مشاكلي بنفسي دون استشارة أحد، لكن الأمر أصبح متأزماً بشكل كبير حتى إنه أصبح كابوساً.
بدأت مشكلة القراءة الجهرية منذ أن كنت بالثاني الثانوي عندما طلبت مني معلمة القرآن فجأة القراءة، وأنا حينها لم أكن أواجه أي مشكلة، لكني لا أعلم ما الذي أصابني! أصبحت أقرأ بسرعة إلى أن انقطع نفسي، حتى أصبحت أقرأ لاهثة ومتوترة لحد كبير، حتى إن الطالبات استغربن مني فكأني أقرأ وأنا مرعوبة أو باكية، وكان قلبي يكاد أن يخرج من شدة خفقانه! أحسست بالحرارة والخجل من وضعي ومن توتري -الذي لا معنى له- أمام الجميع، خصوصاً أني لست خجولة أبداً بل بالعكس أحس أني أكثر جرأة من غيري بكثير.
وأنا الآن في ثالث ثانوي وأكره المدرسة لأني أخاف من مسألة القراءة، فقد قرأت لأول مرة هذا الترم جهرياً موضوعاً جانبياً في حصة النشاط مجبرة وكنت متوترة حينها لكن أخف من توتري ذاك.
أريد أن أعرف -أرجوكم- لماذا أخاف إلى هذه الدرجة؟
لماذا قلبي يخفق بشدة وأحس بالخجل لمجرد التفكير أن دوري في القراءة بدأ يقترب عندما تعد المعلمة أسماء الطالبات؟
لماذا أبدو خجولة فقط عند القراءة؟
هل أصابتني عين لأن قراءتي شبه خالية من الأخطاء؟
علماً بأني طالبة متفوقة وأتفاعل كثيراً مع المعلمة أثناء الحصة ولا أخجل منها أو من أحد من الطالبات لو أجبت إجابة خاطئة في أغلب الأحيان.
خوفي من القراءة جعلني أكره المدرسة بشدة، حتى إني فكرت بالانتقال منها، ربما لأني أكره الخجل والتوتر وأكره الضعف وأحب الجرأة، ولقد روضت نفسي كثيراً على ذلك حتى أصبحت ما أريد.
لا أريد لشخصيتي أن تنهار هكذا أمام الطالبات أو أن أفقد احترامي أو أن أفقد
هيبتي.
طريقة قراءتي ليست عادية وإنما غريبة ومدعاة للسخرية. حتى إن صديقاتي يعلقن عليها كثيراً ويخبرنني بأني يجب أن أصلح نفسي، لكنهن يواسينني أيضاً وهذا دليل على حجم مشكلتي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ القطة المشاكسة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجزاك الله خيراً وبارك الله فيك ونشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن تكوني دائماً متفوقة ومتميزة.
فقد سعدت كثيراً حين عرفت أنك دائماً تحاولي مواجهة مشاكلك بنفسك، وهذا هو الأصل في الأمور؛ لأن الإنسان هو الذي يستطيع أن يغير ما بنفسه ولأن الله تعالى قال: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]، ولكن لا بأس من أن يستشير الإنسان إذا رأى أنه في حاجة إلى ذلك، ومن جانبنا نقول لك (المستشار مؤتمن).
الذي ورد في رسالتك هو أمر بسيط جدّاً وليس مزعجاً بالصورة التي تتصورينها، فالذي حدث لك هو نوع من الإرباك ونوع من القلق الذي ولَّد لديك هذا الخوف، ويعرف أن مثل هذا الخوف يكون مصحوباً بأعراض فسيولوجية جسدية من أهمها تسارع ضربات القلب والشعور بالضيقة الداخلية في الصدر، وهذه عملية فسيولوجية بحتة وليس أكثر من ذلك.
حالتك نسميها (الرهاب الاجتماعي الظرفي) أي أنه مرتبط بظرف معين، وفي حالتك مرتبط بالقراءة الجهرية أمام الطالبات..
أما بالنسبة لأمر العين فنقول لك إن العين حق، وعلى الإنسان دائماً أن يحصن نفسه وأن يكون مرتبطاً بالله تعالى وأن يحافظ على صلواته وأذكاره وأوراده، وهذا لا شك - إن شاء الله تعالى – فيه حماية كافية، ولا بأس بالطبع من أن تذهبي إلى أحد يرقيك الرقية الشرعية الصحيحة.
هذا لا يعني أنك مصابة حتماً بالعين، ولكن الرقية والأذكار والدعاء مفيدة للإنسان ولا شك في ذلك وفيها الوقاية والحماية إذا وُجدت عين أو حسد أو ما شابه ذلك.
من الناحية الطبية حالتك بسيطة جدّاً – كما ذكرت لك – وهي غالباً تكون نتجت من حدث معين، هذا الحدث قد يكون حدثاً بسيطاً أدى إلى هذا الخوف، وقد يكون مرتبطاً بالقراءة الجهرية في الأصل، فأنت ربما تكونين لم تلحظي هذا الحدث السلبي، أو قد حدث لك منذ فترة ماضية، وظل موجوداً في عقلك الباطني، وحين أتيحت الفرصة لظهور هذا القلق على السطح ظهر في الشعور وتمثل في هذا الخوف الظرفي – كما ذكرت لك -.
هذا التفسير أتمنى أن يجعلك ترتاحين ويجعلك تتفهمين الموضوع أنه ليس بالصعوبة والخطورة التي تتصورينها. هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية التي أود أن أؤكدها لك هي: بالرغم من أن زميلاتك قد لاحظن هذه العثرات والتغير في قراءتك، ولكني أؤكد لك أن مشاعر الخوف التي لديك هي مشاعر متضخمة وفيها مبالغة، بمعنى أن الخوف والتوتر قد يكون موجوداً ولكنه بدرجة بسيطة، وعن طريق التصاعد الفسيولوجي والنفسي أنت تحسين بهذه الأعراض بقوة وشدة.
وشيء آخر لابد أن أؤكده لك: أن الآخرين لا أعتقد أنهم يلاحظون كل العثرات والصعوبة التي ذكرتها في رسالتك، وهذا أيضاً دليل أن القلق النفسي والخوف الاجتماعي يجعلنا دائماً نستشعر أعراضنا بحجم أكبر من حجمها، فأرجو أن تنتبهي لهذه النقطة.
ثالثاً: العلاج بالتمارين والتمارين المستمرة، وهذه نسميها (تمرين التعريض مع منع الاستجابة)، بمعنى أن تعرضي نفسك لمصادر هذا الخوف وهذا الاضطراب ولا تتجنبيها، وفي حالتك هنالك تمارين نسميها بتمارين التعرض أو التعريض في الخيال، وهذه تنفذ وتطبق بأن تجلسي في الغرفة في مكان هادئ، وتبدئي وتتصوري أنك تقومين بالقراءة أمام زميلاتك الطالبات وفي حضور المعلمات ومديرة المدرسة –.
وهكذا- عيشي هذا الخيال بكل دقة وبكل تفاصيله، ولابد أن تسترسلي في هذا الخيال لمدة ربع ساعة على الأقل.. هذا التمرين كرريه مرة في الصباح ومرة في المساء.
بعد ذلك أود منك أن تنتقلي إلى التمرين الآخر وهو: أن تقومي بالقراءة بصوت جهوري وتتصوري أنك أمام الطالبات، وعليك أن تسجلي ما تقرئينه، ثم بعد ذلك تستمعين إلى ما قمت بتسجيله، وبالتأمل والتفكر في أدائك سوف تجدين أن أداءك أفضل مما كنت تعتقدين.
هذا التمرين أيضاً ضروري وأرجو أن يكرر أيضاً بمعدل مرتين في اليوم، بمعنى أن تقومي بالقراءة بصوتٍ عالٍ وتسجلي على المسجل ما تقرئينه ثم تعيدين الاستماع إليه، ولابد حين تقرئين وتقومين بالتسجيل تتخيلي أنك أمام زميلاتك ومعلماتك. هذا التمرين من التمارين الجيدة جدّاً.
التمرين الثالث هو ما نسميه بتمارين الاسترخاء، وهذه التمارين جيدة جدّاً وتساعد في علاج هذه الانفعالات القلقية، ولتطبيق تمارين الاسترخاء أود منك أيضاً أن تجلسي في غرفة هادئة ويمكنك الاستلقاء على كرسي أو يمكن أن تضطجعي على السرير، وبعد ذلك أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلاً، ثم خذي نفساً عميقاً وبطيئاً عن طريق الأنف، ويجب أن يمتلأ صدرك بالهواء حتى ترتفع البطن قليلاً، ثم بعد ذلك أمسكي على الهواء في صدرك لمدة خمس ثوانٍ، ثم أخرجي الهواء عن طريق الفم، ويجب أن يكون إخراجه أيضاً بقوة وبطء.
كرري هذا التمرين بمعدل خمس مرات في كل جلسة، وعليك أن تطبقي ذلك جلسة في الصباح وجلسة في المساء لمدة أسبوعين على الأقل. هذه التمارين من التمارين الجيدة جدّاً.
التمرين الرابع هو أن تقرئي القرآن في المنزل بتؤدة وبصوت جهوري وأن تحرصي على مخارج الحروف.
يبقى بعد ذلك أن أؤكد لك أنه يجب ألا تغيري مدرستك أبداً، فأنت متميزة وأنت متفوقة ومحبوبة لدى معلماتك وزميلاتك وأخواتك، وهذا الذي حدث لك هو مجرد قلق ظرفي وليس أكثر من ذلك، وبتطبيقك للإرشادات السابقة سوف يزول ويختفي هذا القلق - بإذن الله تعالى – وحتى نتأكد من انقطاعه تماماً أود أن أصف لك أيضاً أحد الأدوية المتميزة والمعروف أنها تساعد في علاج هذه الحالة، الدواء يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) ليلاً بعد الأكل لمدة عشرة أيام، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة ليلاً، تناوليها أيضاً بعد الأكل، واستمري على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة بعد ذلك إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
وهنالك عقار آخر يعرف تجارياً باسم (إندرال Iinderal) ويعرف علمياً باسم (بروبرانلول Propranlol)، هو دواء يساعد كثيراً في إزالة تسارع ضربات القلب والشعور بالخوف الداخلي. تناولي جرعة الإندرال بمعدل عشرة مليجرام صباحاً ومساءً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى عشرة مليجرام في الصباح لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناوله، ولكن لا مانع أبداً من أن تتناوليه عند اللزوم إذا شعرت بأي نوع من الخفقان أو الضيقة الداخلية.
الدواء الذي وصفته لك من الأدوية السليمة والفعالة والمتميزة جدّاً.
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وبإذن الله تعالى سوف ترجع حالتك كما كانت، وأسأل الله لك النجاح والتميز والتفوق.
وبالله التوفيق.