صراعات داخلية تؤرقني وتمنعني من التقدم في حياتي، فماذا أفعل؟

2025-05-08 00:33:09 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، أنا شاب سليم جسديًا، لا أعاني من أية عيوب أو أمراض ظاهرة، وأسرتي -ولله الحمد- ميسورة الحال، وكل ما أحتاجه متوفر. ولكنني أعاني من صراعات داخلية تؤرقني وتمنعني من التقدم، حيث إنني دائم التفكير في الماضي، ولا أستطيع التوجه نحو المستقبل أو المضي قدمًا.

عند الحديث مع الآخرين، لا أتمكن من التفاعل أو الانسجام في الحوار، ويُلاحظ علي الحزن والانشغال، ولا أتمكن من إبداء رأيي بسهولة، إلا بعد تفكير طويل ودراسة دقيقة. كما أنني أشعر بالخجل والخوف، فلا أستطيع الذهاب في جولة أو حتى شراء الملابس بمفردي.

أيضًا، أعاني من الخوف من نظرات الناس، ولا أقدر على المشي في الشارع بدون مرافقة أحد الأصدقاء. أعاني صعوبة في تكوين صداقات جديدة، ونتائجي في الثانوية ضعيفة، حيث كنت أحيانًا أتغيب عن الحصص الدراسية لأبقى وحيدًا، بعيدًا عن زملائي، وعندما أتعرف إلى أحد الطلاب، أول ما يُقال لي: "لم أرك من قبل"، بسبب انعزالي وقلة اختلاطي، رغم أنني في العام الثاني من المرحلة الثانوية.

كنت أمارس كرة القدم، ووقّعت عقدًا مع فريقي، لكنني توقفت بسبب خوفي من خوض المباريات، إذ كنت أرتبك، وتضيع الكرة بسهولة، وأشعر بالدوخة وتسارع نبضات قلبي. حتى في الأمور البسيطة، كشراء شيء من البقالة، لا أستطيع أن أطلبه مباشرة، بل أتودد إليه ليحضره لي.

لا أحب أخي لأنه من الأسباب التي أدت إلى خوفي وضعف شخصيتي؛ فحين يأمرني بشيء، أُنفّذه دون اعتراض، حتى لو كان ذلك ضد مصلحتي، وهو كثير الإهانة لي.

في الحقيقة: أصبحت لا أحب الناس، ودائمًا في صراع داخلي، لا أعرف كيف أتحدث بلطف، وغالبًا ما أكون غاضبًا. للأسف، لجأت إلى التدخين محاولًا نسيان همومي، لكنه زادها، وقد أقلعت عنه الآن -والحمد لله-، لكنني ضيّعت صلاتي، وأحاول الرجوع إليها.

أعجز عن مصارحة أسرتي بمخاوفي وما أعانيه، وأتمنى منكم مساعدتي وتوجيهي للعلاج المناسب.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله أنك استطعت أن تتوقف عن السجائر، والدخان باب من أبواب الشرور الكبيرة، يفتح للإنسان مصائب كثيرة وأمراضاً عديدة، فالحمد لله أنك قد أقلعت، ويجب أن لا تقترب أبداً لمثل هذه الممارسات، وأما كراهيتك لأخيك فليس صحيحاً أبداً، فيجب أن تحبه ويجب أن تقدره مهما كانت مواقفه حيالك، وأن تكون إيجابياً حياله، وأنا متأكد أنه سيبادلك الإحسان بالإحسان، هذا مهم وضروري جدّاً.

أما بقية الأعراض التي ذكرتها فهي أعراض بسيطة بالرغم مما تسببه لك من إزعاج، أنت تعاني من أعراض قلق نفسي بسيط، وهذا القلق أخذ صورة ما نسميه بالخوف الاجتماعي، فهو أخذ صورة من صور القلق المعروفة.

الذي أنصحك به هو: أولاً لا أريدك أن تطلق على نفسك صفة المرض، أنت لست مريضاً، هذه مجرد تغيرات نفسية يكون الإنسان عرضة لها في مثل عمرك؛ لأن هذه هي فترة تحديد الهوية والانتماء، وتعرف أن التغيرات البيولوجية كثيرة في هذه المرحلة وكذلك التغيرات النفسية، وأنت يجب أن تثق في نفسك أولاً، فمن المهم أن يثق الإنسان في نفسه، والثقة في النفس تأتي بالأفعال وليست بالمشاعر فقط.

إذا اعتمدنا على المشاعر خاصة المشاعر النفسية فلن يثق أي إنسان في نفسه، ولكن الإنسان حينما يقول لنفسه: (أنا سأفعل كذا وكذا وكذا) ويدير وقته ويومه بصورة صحيحة؛ هذا يجعلك تحس بالرضا، ويجعلك تحس بالطمأنينة وتحس فعلاً بلذة الحياة.

الذي أعنيه هو أن تدير وقتك بصورة صحيحة، وأن تكتب واجباتك اليومية في ورقة، ولا شك أن الصلاة يجب أن تكون على رأس هذه الواجبات، وعلى رأس أولوياتك، ويجب أن تؤديها في وقتها، ودائماً قل لنفسك: (سأقوم بفعل كذا قبل صلاة الظهر مثلاً، وسأقوم بعمل كذا وكذا بعد الصلاة) اجعلها هي الركيزة التي تتحرك من خلالها في إدارة الوقت.

الذي أقوله لك هو أمر مجرب ومعروف، ومن تعاهد نفسه بهذا وقام بأدائه بصورة صحيحة كانت النتائج هي التوفيق والنجاح والسداد والانشراح، فأرجو أن تقوم بذلك.

ثانياً: يجب أن تكون هنالك مخاطبة داخلية مستمرة مع نفسك، فأنت لست بأقل من الآخرين، ويجب أن ترسخ هذا المفهوم، النظر إلى الماضي بأنه مجرد تجارب وعبر، فهي فترة طفولة وفترة عدم مسئولية بصفة عامة، وأنت الآن على أعتاب الحياة، والحياة الحمد لله جميلة.

يجب أن تجتهد أكاديمياً وتركز على دراستك وتكون لك نظرة مستقبلية ثاقبة، وأن تصادق الخيرين والمتميزين من الشباب من الصالحين وذوي الخلق من المتفوقين، ولا تصاحب ولا تخالل أبداً إلا أصحاب الخلق والدين والاجتهاد العلمي والذين دائماً يتميزون بالتفوق، هذا علاج ضروري وضروري جدّاً.

لا تلجأ أبداً إلى سوء التأويل حتى وإن أخطأ معك الناس حاول أن تحسن الظن بهم، وحاول أن تأخذ الأمور بعدم حساسية وخذ الأمور بلباقة وبطريقة أفضل، ولا تلجأ إلى سوء التأويل ولا تقس على نفسك.

الدراسة يجب أن تركز عليها، واعرف أن الإنسان يمكن أن يفقد أي شيء في هذه الدنيا إلا علمه ودينه لا يستطيع أحد أن ينزع أياً منهما، فزود نفسك بالعلم والدين، فقد قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11].

حتى يزول عنك هذا الخوف وهذا التوتر سوف أصف لك دواء، وبالطبع لابد أن يكون مناسباً لسنك، والدواء الأمثل بالنسبة لعمرك مع هذه الأعراض هو دواء يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft)، ويسمى أيضاً تجارياً باسم (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline). هذا الدواء يوجد في جرعة خمسين مليجراماً، وأنا أريدك أن تبدأ بنصف حبة - أي خمسة مليجرام – تناولها يومياً بعد الأكل لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة يومياً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

بتناول هذا الدواء وبالالتزام بالقواعد التي ذكرناها لك سوف تجد نفسك إن شاء الله أفضل مما أنت عليه الآن، وأسأل الله لك الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net