النظرة السلبية تجاه الذات ودورها في نشوء القلق والرهاب

2025-05-08 00:38:12 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب، مررت بمواقف محزنة جداً، تناسيتها ولكنني الآن أعاني من التردد وعدم الثقة بالنفس، أخاف دائماً، ويبدو الخوف في وجهي من المهام الجديدة عموماً والمستعجلة، خصوصاً في العمل.

أخاف من الفشل، صوتي يضعف ويختنق عند التحدث مع مديري، أو من يعلونني رتبة في العمل، أعاني من التوتر في الاجتماعات، وعدم التركيز وعدم استيعاب الحديث الدائر، وأشعر بعدم الراحة في أي مناسبة اجتماعية، وترجف شفتاي وأتلعثم عند إلقاء خطاب، وأحس بعدم التوازن في المشي أمام صفوف الناس الجالسين، لا أستطيع التأقلم مع زملائي في العمل، أو أي وظيفة تتطلب تفاعلاً كبيراً مع الأفراد!

عندما أعمل وحدي أكون مبدعاً، وقد فشلت في الحفاظ على عملي بسبب ذلك، وصارحني الكثير بأنني ضعيف الشخصية، وأنني أبدو خائفاً على الدوام، علماً بأني ذكي -والحمد لله- لدي مهارات في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية، ولكن ينقصني الاندفاع والثقة في التعامل الاجتماعي.

لم أذهب إلى طبيب وجربت زولوفت 50 مجم لمدة يوم واحد، ولكنني أحسست بخمول شديد وزيادة خوف وقلق وتقلب في النوم وكوابيس! فبماذا تنصحونني؟ علماً بأن صحتي جيدة ووزني معتدل.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن الوصف الذي ورد في رسالتك يعطي مؤشرات، من أنك تعاني قلقاً نفسياً يندرج تحت ما يسمى بقلق المخاوف الاجتماعية، أو الرهاب الاجتماعي، وإن كنت أرى أنه ليس بالدرجة الشديدة ولا حتى المتوسطة، إنما هو من النوع البسيط، ولكن الأمر المسيطر عليك حقيقة هو التفكير السلبي، مثلاً: قولك بأنك تخاف من الفشل، هذا أمر جميل، هذا يجب أن لا يكون أمراً سلبياً؛ لأن الخوف من الفشل يدفع الإنسان إلى النجاح، بشرط أن لا يكون هذا الخوف هو المهيمن والمسيطر عليك، إنما وجود قلق محفز يرفع من درجة اليقظة، ويزيد الدافعية، ويجعل الإنسان ينجز عمله وواجباته بصورة أفضل، فهذا النوع من القلق مطلوب.

لفت نظري ما ذكرته حينما قلت: (وصارحني الكثير بأنني ضعيف الشخصية)، هذه بصراحة جملة محطمة لدرجة كبيرة، فأولاً هؤلاء الذين ذكروا لك ذلك لا أعتقد أنهم على حق، وفي ذات الوقت ما ذُكر لك ناسب مزاجك الخوفي والقلقي، وهذا نسميه بالتأثير الإيحائي، أي أنه حين يقول لك أحد أنك ضعيف الشخصية وأنت تكون أصلاً متشككاً في مقدراتك نسبة لأفكار خاطئة بنيتها عن شخصيتك، هذا التفسير ومثل هذا القول يجد مكانة قوية جدّاً في عقلك الباطني مما يقنعك بأنك بالفعل ضعيف الشخصية.

من هذا المنطلق نحن دائماً ننصح بما يسمى بالاستبصار والبصيرة، والارتباط بالواقع وتصحيح المفاهيم وتقييم الذات بصورة إيجابية.

الذي أرجوه منك هو أن تبدأ بهذه الحقيقة، وهي أن كل هذه الأفكار الخاطئة يجب أن تصحح، وقد أجمع علماء النفس أن الانفعال يؤدي إلى فكرة خاطئة، أو الفكرة الخاطئة تؤدي إلى انفعال، وهذا يؤدي إلى سلوك أو إلى فعل سالب، هذا المحور الثلاثي (الفكرة الخاطئة، الانفعال، الفعل السلبي) يجب أن يُكسر ويغير، وذلك يحدث بأن تغير الفكرة عن نفسك، وهذا ليس صعباً، هذا يتطلب منك التجرد، يتطلب منك أن لا تقسو على نفسك، انظر إلى نفسك .. أنت شاب ومن هذه الأمة الإسلامية العظيمة، وقد حباك الله بسمات طيبة، لك مقدرات ومهارات موجودة واللغة الإنجليزية، وأنا أثق تماماً أنه لديك مقدرات أخرى كثيرة.

الذي أرجوه منك هو أن تنزع هذا الفكر السلبي عن نفسك، هذه مشكلة، ومشكلة كبيرة جدّاً، إذا لم نستطع التغلب عليها تؤدي إلى مزيد من الشعور بالإحباط، فأرجو أن تبني صورة إيجابية عن نفسك، وأرجو أن تنظر إلى الأفكار السلبية بسلبية واحتقار، هذا مهم جدّاً.

تأتي بعد ذلك خطوات عملية، والخطوات العملية دائماً ننصح فيها بإدارة الوقت بصورة جيدة ومتقنة، فإن الإنسان حينما يدير وقته ساعات اليوم؛ ينظر إليها بجدولة وترتيب معين، ويعطي كل مهمة وقتها، هذه المهام تتفاوت بين واجبات العمل والراحة والصلاة، والتواصل الاجتماعي والترويح عن النفس وممارسة الرياضة، وسوف تجد في نهاية اليوم أنه لديك حصيلة جيدة، وهذه في حد ذاتها تمثل دافعاً إيجابياً قوياً، فأرجو أن تستفيد من وقتك وتديره بصورة مرضية وبصورة جيدة؛ لأن ذلك أطيب أنواع العلاج.

الشيء الآخر الذي أريد أن ألفت نظرك إليه هو أن أصحاب القلق والمخاوف تُبنى لديهم صور سلبية، ومبالغ فيها في نفس الوقت، مثلاً البعض يتصور أنه يتلعثم أمام الآخرين، أو أنه يرتجف أو أنه يتعرق، نعم هذه التغيرات الفسيولوجية ربما تحدث، ولكن ليست بالكثافة والشدة والقوة التي يتحسسها صاحب القلق، إذًا هي مشاعر مبالغ فيها، وبتصحيح المفاهيم هنا يعتبر أمراً ضرورياً.

لي نصيحة خاصة وهي أن توسع من مهاراتك الاجتماعية، المهارات التواصلية، وعليك بالرفقة الخيرة الطيبة، والرياضة الجماعية أيضاً مع شباب طيبين، وصلاة الجماعة حبذا لو كان ذلك في الصف الأول، أيضاً تعطيك رضا كبيراً وتقلل الخوف، وحرصك على الحضور مبكراً في المسجد دائماً يكون له وقع طيب على نفسك، وحتى على الآخرين ولا بأس في ذلك، وإن كان الإنسان لا يريد أن يرائي الآخرين أبداً بعمله وعبادته، ولكن لماذا لا إذا بنى الناس عنك طابعاً اجتماعياً إيجابياً.

حضور حلقات التلاوة والمشاركة في المحاضرات والندوات، كلها مشاركات جيدة، وهنالك مؤشرات جيدة جدّاً حول العمل التطوعي والخيري والأنشطة الاجتماعية، كان يُنظر لها فقط أنها في نطاق أعمال البر أو الإبراز الاجتماعي للنفس، ولكن اتضح الآن أنها ذات قيمة علاجية كبيرة جدّاً لتطوير المهارات الاجتماعية والتواصلية، فاحرص على ذلك.

الجزء الأخير من هذه الرزمة العلاجية التأهيلية -إن شاء الله- هو أن نصف لك أدوية، والأدوية مفيدة وجيدة وممتازة، أنت بدأت في تناول الزولفت، وهو من أفضل الأدوية لعلاج القلق والرهاب الاجتماعي، ويظهر أنك لم تصبر عليه، وكان من الممكن أن تبدأ بنصف حبة لمدة أسبوع، ثم ترفع بعد ذلك إلى حبة يومياً بصفة يومياً لمدة شهر، ثم ترفع إلى حبتين في اليوم، وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفضها إلى حبة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة واحدة في اليوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله.

هو علاج جيد وطيب وممتاز وأنت لم تصبر عليه، فإذا أردت أن تبدأ في تناوله مرة أخرى بالطريقة التي ذكرتها لك فهذا خير وجيد. أما إذا أحسست أن هنالك حاجزاً نفسياً بينك وبين هذا الدواء فأنا أعطيك الخيار الآخر، وهو دواء فعال، ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine)، ويعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat)، هذا تتناوله بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرام) يومياً بعد الأكل، استمر عليها لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراماً)، استمر عليها لمدة شهر، ثم ارفعها إلى حبة ونصف لمدة شهر آخر، ثم إلى حبتين في اليوم – وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك – واستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفض الجرعة بمعدل نصف حبة كل ثلاثة أشهر، حتى تتوقف عن تناول الدواء.

هذه كلها علاجات طيبة وممتازة، ولو حدثت لك آثار جانبية بسيطة مثل الشعور بالاسترخاء، وزيادة في كمية الأكل فلا تنزعج منها، هي أعراض تبدأ في بداية العلاج وسوف تنتهي بإذن الله.

اضطراب النوم لا شك أنه جزء من القلق الذي تعاني منه، وإن شاء الله بتطبيقك للإرشادات السابقة، وتناولك أحد الدواءين، وكذلك تجنب النوم النهاري، وممارسة الرياضة، والنوم في وقت ثابت ومعلوم ليلاً، هذا سيساعدك كثيراً، ولا شك أن الأذكار ذات فعالية كبيرة جدّاً في تحسين النوم، كما أنصحك بأن لا تتناول أي من الشاي والقهوة وغيرها من الميقظات بعد الساعة السادسة مساء، وأن لا تكون وجبة العشاء دسمة، ويجب أن يكون العشاء مبكراً، نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

www.islamweb.net