مرض البهاق الأسباب والعلاج؟
2009-02-02 22:23:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أعاني من مرض البهاق الذي انتشر في وجهي وصدري ورأسي ورقبتي منذ أربع سنوات، وعمري الآن عشرون عاماً؛ فدلوني على علاج ناجع ونهائي؟
حفظكم الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإن البهاق عنوان واسع لمرض شائع، وقبل البدء بالإجابة أود التذكير بأن البهاق من الأمراض السليمة من الناحية الطبية، ولكن المؤثر على الحياة بشكل يتفاوت بين الناس حسب النفسية والقناعات والعمر والجنس والحالة العائلية والمهنية وغيرها.
وبما أن البهاق مرض مزمن فالعلاج ينبغي أن يكون مع طبيب متخصص أو حتى مركز طبي متخصص، وليس مع العشابين؛ لأن العلاج يحتاج زمنا أو أحياناً عمرا، وليس مرحلة وتنتهي، فهناك من الحالات التي تحسن فيها المرض إلى درجة الاختفاء ثم عاد بعد عودة العوامل المساعدة على عودته، ومن المهم التذكير بأن الدواء الواحد تختلف قدرته على العلاج من مريض لآخر حسب العوامل المحيطة بالمريض والمؤثرة على المرض، كالناحية المناعية والنفسية والعائلية والهرمونية.
وقد أوردنا في إحدى الاستشارات القصة التالية وهي واقعية: (مريضتان ابنتا خالة أي أمهاتهما أختان، وعمرهما متقارب، وكلتاهما متزوجة، ويسكنان في بيتين متجاورين، ويأتيان في نفس السيارة، ونفس الوقت إلى نفس الطبيب، ويأخذان نفس الدواء، ولكن إحداهما تحسنت (10%) والأخرى تحسنت (90%) على الرغم من أنهما من جنس واحد، وجنسية واحدة، وحالة عائلية متساوية أو متكافئة، وسن متقارب، وظروف عائلية زوجية متشابهة، وعلاجهما واحد زماناً ومكاناً وعقاراً وطبيباً).
ومن باب التشبيه بالأرقام (فهناك من تكون مشكلته حجمها مائة ولا يشعر بها، وتمر وكأنها عابرة، وهناك من تكون مشكلته خمسة فيقول أحمد الله على أنني صابر ومحتسب على هذه المحنة الكبيرة البالغة التي لا يقوى عليها إلا أيوب عليه السلام، فأنا على الرغم من عظم مصيبتي إلا أنني صابر وأنا راضي بهذا البلاء الذي لا تتحمله الجبال)، وأترك لك تحليل قوليهما وأيهما يعاني أكثر من الآخر.
وأما من الناحية الأكاديمية الطبية فالبهاق مرضٌ جلدي وراثي مناعي، يتظاهر على الجلد على شكل بقع بيضاء ناصعة، وهو مرض غير معد، أي لا ينتقل بالتلامس.
وأما أسباب البهاق فهي غير معروفة، ولكن هناك نظريات أو فرضيات، النظرية العصبية وذلك لوجود البهاق على توزع الأعصاب، والنظرية الوراثية وذلك لوجود (30 %) من الحالات بشكل عائلي، ونظرية التخريب الذاتي، أي أن الخلية الملونة للجلد تخرب نفسها بنفسها، ونظرية المناعة الذاتية، وهي أن يهاجم الجسم الخلايا الملونة ويعتبرها غريبة، مثل حالات الرفض المناعي بعد زراعة الأعضاء، وذلك لتصاحب البهاق ببعض الأمراض المناعية، مثل مرض الغدة الدرقية والسكري وغيرها، ونظرية الغذاء؛ وذلك بسبب نقص الفيتامينات مثل (ب 12) والفوليك أسيد.
وأما ما قيل في علاج البهاق فإن الهدف من العلاج هو اجتماعي تجميلي، وليس ضرورة طبية، إلا إذا كان على الأماكن المكشوفة، والمريض يعمل متعرضاً للشمس لفترات النهار الطويلة، وعندها يصبح العلاج أو الوقاية من الشمس ضرورة لأن هذه المواضع المكشوفة تكون عرضة للالتهابات والحروق الشمسية.
وعند أصحاب البشرة شديدة البياض قد لا يظهر المرض، وعندها ننصح المريض بتجنب التعرض للشمس؛ حتى يخف اسمرار الجلد المكتسب، فلا تستطيع العين التمييز بين اللونين (وهذا ما يتبع في البلاد الأوروبية نظراً لقرب لون المرض من لون الجلد الطبيعي).
وعند وجود بقع صغيرة على المواضع المكشوفة من الجلد يُنصح باستعمال الكريمات الملونة للبشرة، والتي يوجد منها في الأسواق التخصصية ما يُناسب لون البشرات المتفاوت (وهذا يُعطي نتيجة جمالية فورية ولكنه ليس علاجاً، كما أنه يحتاج للتطبيق المتكرر عند اللزوم)، مثل الكوفر مارك والدرم بليند.
وهذا النوع من العلاج يعتبر مشابها لكريم الأساس الذي يخفي ما تحته حتى ولو كان وحمة أو وشم أو جرح فكيف لو كان بهاقا (وينصح باستعماله على الأماكن الظاهرة فقط لأنه تجميلي وليس علاجيا) ومع ذلك فإنه لو طبق بمهارة فإنه يخفي ما تحته وكأن شيئاً لم يكن.
وبعض الحالات الموضعية تحتاج وتستجيب للمراهم الكورتيزونية الموضعية أو الحقن الموضعي (تحت إشراف طبيب) وقد تستطب الكورتيزونات الفموية، أو عن طريق الحقن في بعض البروتوكولات الخاصة وفق استطبابات خاصة.
وحديثا هناك بدائل الكورتيزونات الموضعية وهي التاكروليماس والبيماكروليماس وهي غالية إلا أنها مفيدة خاصة للوجه أو المواضع المحدودة.
وأما العلاج بالمحسسات الضيائية الموضعية أو الجهازية، (وهذا يحتاج إلى إشراف طبيب) فهي شديدة الفاعلية، ولكن لها مضاعفات كالحرق إن لم تُستعمل بخبرة كافية من الطبيب المعالج، أو باتباع صحيح للتعليمات من قِبل المريض الذي يتعالج، كما أنه من الضروري لبس النظارة الواقية من الأشعة فوق البنفسجية (100%) لكل من الزمرة (ا) و(ب) لمدة أربع وعشرين ساعة بعد الجلسة؛ وذلك لاحتمال بقاء الدواء في العين لمدة أربع وعشرين ساعة على شكل مذاب، ولكنه لو تعرض لأشعة الشمس المباشرة أو الأشعة فوق البنفسجية لترسب خلال سنوات، وقد يؤدي على المدى البعيد إلى تشكل الساد أو الكاتاراكت.
ومن العلاجات الضوئية الأخرى العلاج الأحدث وهو الليزو من نوع إيكسايمر أو التيرالايت إن كانت المناطق المصابة محدودة ومحصورة، وهناك النارو باند 311 التي هي متوفرة ورخيصة، ولا تحتاج حبوباً قبلها، وهي بالتدريج تأخذ مكان الأشعة التي تحتاج حبوبا.
والعلاج الجراحي له أشكال عديدة، كالطعوم الذاتية الصغيرة، وزراعة الخلايا الملونة وحقنها، والطعوم الجلدية على شكل شرائح تؤخذ من المناطق المستورة في نفس المريض إلى الأماكن المكشوفة، وهي ناجحة جداً لو تم إجراؤها بيد خبيرة في مراكز متخصصة، ولكنها مكلفة، أي أنها تحتاج مراكز خاصة وتسهيلات جراحية تجميلية.
وبعض المرضى قد يستفيد على الفيتامينات إن كان عنده نقص - خاصة (ب12) وحمض الفوليك، وكذلك فيامين (ث) -.
والعامل النفسي وتأثيره على المرض يجب أن لا يُهمل، وكذلك يجب علاج بعض الاضطرابات الهرمونية خاصة الدرق.
وفي حال فشل كل ما سبق، وانتشار المرض إلى درجة أن أغلب الجلد أصبح أبيض، عندها يستعمل التبييض، ولكنها عملية تخرّب الخلايا الملونة للجلد إلى غير رجعة، ولا يُنصح باستعمال هذه الطريقة في المناطق الاستوائية؛ لأن اللون يحمي المريض من الأشعة الشمسية الحارقة لأصحاب البشرة البيضاء، ولا تُستعمل هذه الطريقة إلا تحت إشراف طبي، وعلى مسئولية الطبيب المعالج.
وأخيراً علينا الرضا، والدعاء، والصبر، والتوكل على الله، فهو أول وآخر الأدوية، والله هو الشافي (وإذا مرضت فهو يشفين) وعلينا أن نجمل في طلب التحسن، وأن يكون ذهابنا إلى الطبيب هو من باب الأخذ بالأسباب وليس من باب الواجب الأكيد الذي يعاقب تاركه.
وبودي أن أضيف إلى أن التبييض الكامل لا ننصح به في حالتك لأنك تعيش في منطقة السودان ذات الشمس القوية وبالتالي يكون جلدك عرضة لمضاعفات الشمس، وكذلك فإن العصبية والتوتر وعدم الرضا قد تكون عوامل مساعدة في زيادة المرض وعدم السيطرة عليه؛ لأن المريض يتأثر بالوراثة وبضعف المناعة، وبالحالة النفسية، وبالحالة الغدية، كمرض الغدة الدرقية، والسكري.
والمرض لا ينتقل إلى الأولاد عدوى، ولكنه قد ينتقل وراثة، وبنسبة لا تزيد عن (30%) ولا يعني ذلك أنه كل ثلاثة أبناء يجب أن يكون أحدهم مصابا، بل يعني أن حساب الاحتمالات بين عائلات المرضى أظهر نسبة (30%) قصة عائلية إيجابية، (ولكن هناك عائلات عندهم من الأبناء العشرة ولا أحد مصاب، وهناك عائلات عندهم اثنين من الأبناء وكلاهما مصاب ) إذن الموضوع هو قدر، وما أصاب زوجك ليس له علاقة بالبهاق.
ويجب ملاحظة أن المرضى لا يستجيبون لنفس العلاج بنفس النتيجة، بل هناك تفاوت بين الاستجابة بين الناس لاختلاف العوامل المساعدة على المرض أو الاستجابة بين مريض وآخر. كما أوردنا القصة أعلاه.
وننصح بعدم التفكير الزائد بالموضوع، وعدم إهدار المال، وعدم الوقوع فريسة لاستغلال حاجتك للعلاج، وننصح بعدم اللجوء للعلاج بالأعشاب؛ لأنها أيضاً طريقة غير دقيقة، بل الاعتماد على الأدوية المرخصة والدقيقة، كما ننصح بالرضا بالقدر قبل كل شيء، وكذلك أنصح الأمهات والآباء بعدم الضغط على أبنائهم إذا ظهر عندهم المرض، بل التركيز على العمل والإنجاز، والتفوق، والسلوك، بدل التركيز على الشكل.
ومن عوامل التحسن أن يكون المريض طفلا، ومدة المرض أقصر، والجلد المصاب هو الوجه أو جلد مشعر أو يغطي العضل، وعلى العكس فإن عوامل تأخر العلاج أو فشله أن يكون المرض له فترة طويلة أو المصاب كبير السن أو الجلد المصاب غير مشعر أو أن الجلد المصاب يغطي نتوءات عظمية.
وأرجو قبل الختام تحليل المشهد التالي والذي أترك لكم التعليق عليه: (لو أن فيلما وثائقيا أو خياليا يعرض صورة ممثل أو ممثلة وهما على أجمل صورة شكلية ولهما من المال والسلطان فوق ذلك نصيب وافر ولكنهما خائنان سارقان كاذبان لئيمان قاتلان.
وعلى الوجه المقابل هناك في نفس الفيلم ممثل أو ممثلة على درجة من الجمال أقل أو أنهما أعوران أو فيهما ما يسيء للمظهر العام لهما دون أن يكون معديا كالعور وهما على درجة اجتماعية متواضعة ولكنهما مخلصان طيبان صادقان متفانيان أمينان) ونحن المشاهدين مع من نتعاطف؟ أو لو أن رجلاً أراد خطبة إحدى هاتين المرأتين فأيهما يختار؟ أو لو أن امرأة تقدم لها أحد هذين الرجلين فأيهما تختار؟
إذن الزواج هو ليس شكلا فقط، ولكنه تعامل قبل أن يكون متعلقاً بالمظاهر،
وكم من خطبة تمت بين المحبين، والجمال لم يكن هو السبب، بل كان التفاهم والتعامل هما السبب، وعلى العكس كم من خطبة قامت على الجمال وفشلت بسبب التعامل غير الناضج أو المثمر بين الزوجين!
والخلاصة: إن أردتم العلاج فعليكم بطبيب متخصص أو مركز مشهود له بخبرة العلاج لمرض البهاق، تجب المتابعة على المدى الطويل، وقد ذكرنا أعلاه أن المرض تختلف طرق علاجه، المرض مزمن وقد يعاود، علينا أن نتعايش مع المرض، وأن نركز على الفعل لا على الشكل، فتزول الحواجز بيننا وبين الناس، وأما لو بقينا من بعيد فالناس لا يرون إلا الظاهر، فيكون انطباعهم نظريا وليس عمليا، أي علينا أن نحتك بالناس، وأن يكون احتكاكنا مثبتا أننا الأجود (كما ذكرتم فيما معناه).
أنصح وبإلحاح بالبحث عن المهنة المناسبة والعمل دون تردد في ذلك، وصرف للوقت فيما يفيد، وكسب للمال والثقة والمعرفة بالناس، وتخفيف الفراغ الذي يضخم المشكلة، كما أن المهنة قد تكون سبباً في إثبات الكفاءة والتفوق والإعجاب؛ مما يؤدي إلى الزواج المعتمد على الفعل والخلق لا على الشكل فقط).
ختاما أرجو أن يكون في هذه التفاصيل كفاية وردا مريحا مطمئنا، والله من وراء القصد.