قلق بلا سبب ... بين الحقيقة والوهم

2025-05-18 01:51:44 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خير الجزاء على الموقع الجميل، وأكثر الله من أمثالكم.

سؤالي لا أعلم له تفسيرًا محددًا، فقد كتبت النقاط الأساسية لما أشعر به في ورقة منذ فترة، على أمل أن أجد تفسيرًا وحلًا لمشاكلي.

باختصار: أشعر بخوف، وربما قلق، من ماذا؟ لا أعلم.

شعري أبيض رغم أنني في السادسة والعشرين من عمري، ومنذ عشر سنوات كنت أخاف أن أنظر إلى نفسي في المرآة، حتى قبل ظهور الشعر الأبيض، وكنت أكره صلاة الجمعة والاقتراب من المسجد، وكنت أتصور أن الأقمار الصناعية تراقبني، وكنت أتخيل نفسي وكأني ضابط شرطة، لم يكن حلمًا بل كنت أعتبره حقيقة، أو أقول (أوهامًا).

في تعاملاتي، أنا شخص جاد وصريح، ولكن بعدما التزمت دينيًا، بدأتُ أذهب إلى المسجد، وأصبحتُ أنظر في المرآة وأقول: "اللهم كما حسَّنت خَلقي فحسِّن خُلقي"، أمَّا عن الأقمار، فقلت لنفسي: "أنا لا أفعل شيئًا خاطئًا، فما المشكلة إن كانت هناك مراقبة؟".

وبدأتُ أصحح أفكاري، ومع ذلك، كنت أشعر أحيانًا وكأنني أتحول إلى روبوت، وإلى الآن أشعر أحيانًا بالتخشُّب، وأحسُّ أنني بلا إحساس، وكان ذلك يُعجبني في البداية، وكان الناس يحسدونني على هدوئي، وكنتُ أعتبر ذلك قوةً، ودائمًا ما كنتُ مبتسمًا حتى لقبوني بـ"المبتسم"، أمَّا الآن، فأصبحت شخصًا آخر، جادًّا وعنيدًا.

ولكن حاليًا، ربما يكون هناك توتر غير عادي، وأتظاهر بالثبات، ومع ذلك أشعر بصداع يجعلني كالتمثال، والغريب أن المدير في العمل قال مازحًا إنني أنقل إليهم الصداع، فبدأت أتساءل: هل هذا الصداع بسبب ضغط العمل كما يقولون، أم بسببي أنا، أم ربما بسبب سحر؟، علمًا بأني لا أعمل منذ ثلاثة أشهر، لكني سأبدأ عملًا جديدًا قريبًا بإذن الله.

أخي كذلك أصابته حالة مفاجئة من الهيجان، حتى إنه كان يضربنا ويكسر الأشياء، ويطلب أشياء غريبة، ثم عندما نحضرها له، يقول وكأنه لم يطلبها أصلًا.

أعود إلى حديثي، وأكمل: ربما المشكلة أنني أخسر أصدقائي، وكنت أقول لنفسي لا بأس، فقد كنت أظن أنهم يضيعون وقتي، وأنهم لا فائدة منهم.

لم يكن هذا غرورًا، لكن أصل المشكلة في نظري أن الصداقة تنقطع؛ لأنني لا أجد ما أقوله، وربما لأنني كنت أتكلف الحديث، أمَّا الآن فأحب أن أكون على طبيعتي، ومع ذلك لا زلت أرى أن قلة الأصدقاء أفضل لتوفير الوقت، ولهذا لدي عدد قليل منهم فقط، وربما تعودت على العزلة لأني بصراحة أريد أن أصبح شيئًا -بإذن الله-، لكن ما يضايقني أنني لا أفعل شيئًا، فأنا كسول، ومسوِّف، وربما مهمل.

حتى الآن أريد أن أحفظ القرآن، وأطور من نفسي، لكن عندي لامبالاة غريبة، وأشعر أن بإمكاني فعل أي شيء، فكل شيء يبدو سهلًا، مع أنني أقول لنفسي إني لا أملك وقتًا لأضيعه، إلَّا أنني أضيعه.

وزيادة على ذلك: أنا صريح جدًّا، وأقول رأيي دون مجاملات، أو ألتزم الصمت، ومنذ فترة بدأت أشعر بصداع شديد يوميًا، وكأن رأسي مشدود، مع تأثير على البصر، ويزداد عند التعرض للشمس.

ذهبت قبل ستة أشهر إلى طبيب أعصاب، وقال إنه يعتقد أنه صداع نصفي، وتابعت معه، وكنت أتناول دواء (إنديرال) و(اميجران)، ثم تفاجأت قبل يومين بأن والدتي أصبحت فجأة لا تتحمل أشعة الشمس.

تحليلي لتصرفاتها أنها متسلطة، وتهتم بنا بشكل مفرط، لدرجة تصيبني بالضيق، أمَّا والدي فهو العكس تمامًا، متساهل، وربما سلبي.

ثم ذهبت إلى طبيب عام آخر، وقال لي: "لا تفكِّر كثيرًا"، ووصف لي (بيتاسيرك 16) لمدة عشرة أيام، وبعدها قلت لنفسي: ستة أشهر زائد أسبوعان، ربما تكون أوهامًا، لذا تركت الأدوية، وقلت: أراقب تصرفاتي أفضل من أن أنساق وراء خيالات.

هذه هي القصة مع تحليلاتي، لكني بحاجة إلى مشورتكم، وبدون مجاملات، هل ما أعانيه مرض عضوي، أم نفسي، أم تفكير زائد، أم سحر، أم مجرد وهم؟

ملاحظة: أرجو الإطالة في التوضيح، وننتظر منكم المزيد.
بارك الله فيكم، وأعانكم على مثل هذه الاستشارات.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد اطلعت على رسالتك بكل اهتمام، وبكل تفاصيلها، وحاولت أن أربط بين هذه الأعراض، وتوصلْتُ إلى أنها أعراض نفسية، كل الأفكار التي تعتريك -وكذلك التغيرات التي تحسّ بها في جسدك- هي في حقيقة الأمر نفسية المنشأ.

وبالنسبة للجانب الاجتماعي، وما توصلت إليه فيما يخص علاقتك بأصدقائك؛ فأعتقد أيضًا أن حالتك النفسية كانت المسبب الرئيسي لانتهاجك طريقة معينة في التعامل مع الآخرين.

ولا أعتقد أن هنالك سحرًا، وذلك بالرغم من إيماني الكامل بالسحر، والذي أراه هو أنه قد حدث لك نوع من الاضطراب في كيمياء الدماغ، هذا الاضطراب لا يُعرف سببه، وأكثر المواد التي تَضْطرب في الدماغ -والتي تعرف بالمرسلات العصبية- هي مادة الدوبامين، ومادة السيروتونين، ويُعرف أن عدم التوازن -أو الخلل في إفراز هذه المواد على مستوى المستقبلات العصبية- قد يؤدي إلى حالات نفسية مشابهة لحالتك.

أنت بالطبع تريد الحقيقة، ومن حقك أن تمتلك الحقيقة، ولذلك أقول لك من الناحية التشخيصية: هنالك مؤشرات كثيرة جدًّا في أعراضك، تدل على أن الحالة التي وصفتها هي أحد أمراض الفصام أو ما يشبه الفصام، وأرجو ألَّا تنزعج مطلقًا لهذا المسمى؛ حيث إن هذه الحالات أصبحت الآن -بفضل الله تعالى- يمكن علاجها بدرجة كبيرة، وحتى نلتزم التزامًا قاطعًا بالضوابط المهنية، ربما يكون من الأفضل ومن الأحسن أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًا، وتعرض عليه هذه الرسالة، وما أوردته من وصف دقيق لحالتك، وتعرض عليه أيضًا رأينا هذا الذي ذكرناه لك، وأعتقد أنه سوف يكون الأفضل والأفيد بالنسبة لحالتك.

هناك أدوية ممتازة وفعالة تُعطى في مثل هذه الحالات، منها:
- دواء يعرف تجاريًا باسم (زيبريكسا Zyprexa)، ويعرف علميًا باسم (أولانزابين، Olanzapine).
- ودواء آخر يعرف تجاريًا باسم (ريسبيريدون، Risperdal)، أو ما يسمى علميًا باسم (ريسبيريدون، Risperidone).
- ودواء ثالث يعرف تجاريًا باسم (سيروكويل، Seroquel)، ويسمى علميًا باسم (كويتيابين، Quetiapine).

وهناك أدوية أخرى كثيرة، وما ذكرته لك هي أشهر الأدوية التي تُستعمل لتنظيم كيمياء الدماغ، حتى تعود لطبيعتها وتزول هذه الأعراض بإذن الله تعالى.

الذي أراه أن حالتك -إن شاء الله- ستكون بسيطة جدًّا، والاستجابة للعلاج ستكون ممتازة -بإذن الله-؛ وذلك لأنك -الحمد لله- تمتلك المقدرات والمهارات الاجتماعية، وأُتيحت لك -بفضل الله- فرصة للعمل، والعمل هو وسيلة ممتازة للتأهيل النفسي، وأنت مُقْدِمٌ على عمل جديد في وقت قريب -بإذن الله-، وهذا دليل قاطع على أن شخصيتك متوازنة، والسمات الرئيسية لديك من مهارات وتواصل اجتماعي لا زالت في أفضل حالاتها، وأعتقد أن الدواء سيساعد -بإذن الله- في طرد هذه الأفكار الوسواسية والظنانية.

وأنا سعيد جدًّا أن أعرف أنك قد أخضعت نفسك لما نسميه بـ (الارتباط بالواقع)، وحاولت مثلًا فيما يخص المراقبة عن طريق الأقمار الصناعية أن تصحح أفكارك، وهذا التصحيح منطقي جدًّا، وأعتقد حقيقة أن فرصك -إن شاء الله- ممتازة لتعيش حياة طبيعية وسليمة.

وختامًا: لا أريدك أبدًا أن تنظر إلى الماضي بأي نوع من السلبية أو السوداوية، فأنت ذكرت أن شعرك قد شاب وأنت في سن مبكرة، وأتتك هذه الأعراض منذ مدة طويلة، فهذه مجرد عبر يُستفاد منها لتعيش الحاضر بقوة، وتُقبل على المستقبل -إن شاء الله- بكل أمل، وفرص العلاج والتعافي من هذه الأعراض كبيرة جدًّا كما ذكرت لك.

نسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد، ونشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى ثقتك في هذا الموقع، وبالله التوفيق.

www.islamweb.net