بقايا الوساوس، وكيفية التغلب عليها
2025-05-14 23:56:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أولاً أن أقدّم لكم جزيل الشكر على هذه الخدمات الجليلة، وبخاصة الدكتور محمد عبد العليم، جزاكم الله خير الجزاء.
أنا شاب أبلغ من العمر 24 عامًا، قبل أربع سنوات، بدأت أعاني من أعراض شديدة، تمثلت في القلق والتوتر، والخوف غير المبرر من الناس، والانزواء داخل المنزل معظم الوقت، كما كانت تراودني تخيلات مزعجة، كأنني قد أؤذي من يتحدث معي، أو أنني سأنهار، أو أفقد القدرة على الكلام، أو أن الآخرين يدركون أنني أعاني من مشكلة نفسية، مما كان يسبب لي مزيدًا من القلق والخجل.
إلى جانب ذلك، عانيت من صعوبة في النوم، وكثرة الأفكار السلبية، خاصة عند وجودي خارج المنزل، أو التفاعل مع الغرباء، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التخيلات لم تتحول أبدًا إلى أفعال، بل بقيت مجرد أفكار مزعجة، وبعد معاناة دامت شهرين، قررت زيارة طبيب نفسي، لكنني لم أوفق في اختياره، حيث كان يغير تشخيصه في كل مرة، ما بين مرض نفسي، وعقلي، استمررت معه لمدة سنة، دون تحسن يُذكر، ولم يتجاوز التحسن نسبة 20%.
من الأدوية التي وصفها لي: أولابكس، كوجنتول، زاندول، إندرال، بروثيادين، بريانيل، لاموترين، ولاميكتال، لاحقًا، توجهت إلى طبيب آخر معروف، وبعد الفحص الكامل، أخبرني بأنني أعاني فقط من قلق نفسي، ووصف لي: بروثيادين مرة واحدة يوميًا، نصف حبة زاندول (10 ملغ)، وإندرال (10 ملغ) صباحًا.
تحسنت حالتي بنسبة 70%، ولم أزر الطبيب سوى مرة واحدة، حيث أوضح أن حالتي لا تتطلب متابعة متكررة، وبعد انتهاء العلاج الذي استمر ثلاثة أشهر، استمر التحسن ولم تتراجع حالتي حتى اليوم، -والحمد لله- لكن ما تبقى من الأعراض بنسبة 30%: ضيق مزاجي، حزن خفيف، نظرة تشاؤمية، وأفكار خيالية مزعجة، سواء أثناء التفاعل مع الناس، أو عندما أكون بمفردي، وربما تصنَّف هذه الأفكار ضمن الوساوس، وهي خفيفة وتظهر على فترات متباعدة.
وبعد قراءتي للعديد من الاستشارات على موقعكم، قررت البدء بتناول "موتيفال" بعد انقطاع عن الدواء دام سنتين، مع ثبات في التحسن طوال تلك المدة، وقد بدأت باستخدام قرص واحد يوميًا منذ شهرين، وشعرت بتحسن كبير منذ الجرعة الأولى، خاصة في أعراض الضيق والحزن، لكن الوساوس الخفيفة ما زالت تظهر أحيانًا، وإن كانت غير مزعجة كما كانت من قبل.
مثال على هذه الوساوس: إنني قد أقوم بحركات بيدي دون قصد، أو قد أقول كلامًا بصوت مرتفع لنفسي مثل: "لماذا لم تفعل؟" أو "لماذا فعلت؟"، وهذه الأفكار غالبًا ما تظهر عندما أكون متوترًا، أو أشعر بأن من حولي يعاملني بإهمال أو يستهزئ بي، أو إذا شعرت بأنهم يرونني مريضًا نفسيًا.
كما تراودني أحيانًا فكرة أنني غير قادر على أداء المهام الموكلة إليّ، ومع ذلك، فإن هذه الأعراض أصبحت قليلة التأثير بعد استخدام "موتيفال"، فما الذي تنصحونني به بخصوص هذه الوساوس الخفيفة المتبقية؟ وأرجّح أن يكون سبب هذه الحالة أحد أمرين:
- الخوف الشديد، خصوصًا أنني كنت أعيش بمفردي لفترة طويلة، وكنت في حالة هلع دائم.
- أنني جربت تعاطي الحشيش مرتين فقط، وشعرت بإرهاق نفسي شديد بعد ذلك.
أعتذر على الإطالة، وجزاكم الله كل خير، وجعل جهودكم في ميزان حسناتكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن رسالتك تكشف أنك بالفعل عانيت من القلق النفسي، كما وصف لك الطبيب النفسي الثاني الذي قابلته، والقلق الذي انتابك هو نوع من قلق المخاوف، وبعد ذلك ظهرت لديك أفكار وسواسية واضحة جدًّا، وهي التي تعاني منها الآن، ولكن بدرجة بسيطة.
الوسوسة هي أفكار استحواذية تقتحم خيال الإنسان، وتكون قائمة على افتراضات ليست صحيحة، ويؤمن الإنسان ويقتنع بسخفها، ولكنها تظل كاجترارات فكرية موجودة، قد يصعب التخلص منها في بعض الأحيان، ولكن بصفة عامة مواجهتها تكون بتحقيرها، وتجاهلها، واستبدالها بأفكار أخرى، هذه هي الأسس الرئيسية التي يمكن بها علاج هذا النوع من الوسوسة.
وعليه أولًا: أريدك أن تقتنع بأن حالتك بسيطة، وهي قلق نفسي مصحوب بأعراض وسواسية بسيطة، -وكما تفضلت وذكرت- فإن هذه الوساوس تزيد في أوقات التوتر، أو حين تشعر بأنك مُهمل من قبل الآخرين، وهذه روابط أو مثيرات معروفة، وينتج عن الوساوس شعور ثانوي بالكدر، مما قد يزيد من القلق والوساوس أيضًا، والذي أريدك أن تتذكره جيدًا، أن ما حدث لك من تحسُّن يجب أن يكون حافزًا قويًا لك للمزيد من التحسُّن، وبمنطق بسيط أنت حين تناولت دواء الـ (موتيفال، motival) -وهو دواء بسيط جدًّا- حدث هذا التقدم الكبير في حالتك النفسية، وهذا -إن شاء الله تعالى- دليل على بساطة الحالة وعدم تعقيدها، فالتفاؤل دفع نفسي كبير للإنسان ليقضي على الأعراض النفسية السالبة.
ثانيًا: قم بكتابة هذه الوساوس البسيطة التي تراودك على ورقة، وابدأ بتسجيل أقلها إزعاجًا، ثم تدرّج حتى تصل إلى أكثرها تأثيرًا عليك، بعد ذلك، تأمّل كل فكرٍ وسواسي على حدة، بمنطق وهدوء، وقيّمه بعقلك لا بمشاعرك، وستجد أن معظمه غير واقعي أو مبالغ فيه، عندما تدرك سخافتها، خاطب نفسك بوعي قائلاً: "لن أُعير هذه الفكرة أي اهتمام، يجب أن أحتقرها وأمنعها من السيطرة على ذهني"، وفي ذات الوقت، استبدل كل فكرة وسواسية بفكرة عقلانية إيجابية مناقضة لها تمامًا، وكرر هذه الفكرة البديلة مرارًا، حتى تترسخ في ذهنك وتُضعف تأثير الوسواس.
كما أودّ منك أن تربط الوساوس التي تراودك بمثير سلبي أو منفّر، فمثلاً: حين تفكر في الفكرة الوسواسية، تخيّل في الوقت ذاته أنك تشمّ رائحة كريهة أو مزعجة للغاية، هذا الربط المتعمد بين الفكرة الوسواسية والإحساس غير المريح، يُعرف بأسلوب "فك الارتباط الشرطي"، وقد ثبت أنه يُساهم في إضعاف أثر الوساوس تدريجيًا، ويقلل من قوتها على المدى الطويل، وفي بعض الحالات، ننصح الشخص بأن يتعمّد استحضار الفكرة الوسواسية وتأملها بتركيز، مع تكرارها في ذهنه، حتى يشعر بالتعب الذهني أو الملل منها، ثم يقول بحزمٍ لنفسه: "توقف، توقف، توقف" وكأنه يخاطب الفكرة مباشرة، هذه من الأساليب السلوكية البسيطة، لكنها فعّالة، حيث تُسهم في كسر سلسلة الاستجابة التلقائية للفكرة الوسواسية، لذا نوصيك بالمواظبة على هذه الممارسة بانتظام.
ومن أجل الوصول إلى تحسُّن تام في مواجهة الفكر الوسواسي والقلق المصاحب له، أوصيك بالاستمرار في تناول دواء "موتيفال" بجرعة قرص واحد يوميًا في المساء، إلى جانب ذلك، أرغب في إضافة دواء آخر يُعرف علميًا باسم فلوكستين (Fluoxetine)، ويُباع تجاريًا باسم بروزاك (Prozac) أو فلوزاك (Flozac) في مصر، وبما أنك تقيم في بولندا، يمكنك البحث عنه باسمه العلمي عند الصيدليات.
ابدأ بتناول كبسولة واحدة (20 ملغ) يوميًا، واستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم خفّضها إلى كبسولة واحدة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، وبعدها يمكنك التوقف عن استخدامه، هو دواء ممتاز، ويعرف عنه أنه يقضي تماماً على الوساوس القهرية -إن شاء الله-، وفي ذات الوقت يُحسِّن من مزاجك، وإن شاء الله تعالى من خلال فعله التضافري مع الموتيفال، سوف تحصل على أطيب النتائج العلاجية.
هذا كل ما أود أن أقوله لك، وأرجو منك الاجتهاد في دروب الحياة الأخرى، ولا تجعل هذا القلق يشغلك، مارس الرياضة، أكثر من اطلاعاتك، اجتهد في دراستك وفي عملك، كن مواظباً على صلواتك وتلاوة القرآن، وتواصل مع إخوانك المسلمين، ومارس الرياضة، فإن شاء الله في ذلك خير كبير للإنسان، ونسأل الله لك العافية والشفاء.