السؤال
ما هو الأفضل لطالب العلم الشرعي أن يبدأ بحفظ القرآن وفهم معاني كلماته وشرح مبسط لأحكام التجويد حتى يتم حفظ القرآن، ثم يبدأ بمطالعة باقي العلوم أم يبدأ بالقرآن وبعض الكتب المبسطة في علوم الشريعة الأخرى، أي هل يفرغ نفسه تماماً لحفظ القرآن فقط في البداية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن أفضل ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم هو كتاب الله تعالى حفظاً وتجويداً وتفسيراً... روى البخاري عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. والقرآن هو أساس العلوم والجامع لأصولها، ولكن للعلماء تفصيلاً حسناً في هذا المجال حيث يرون البدء بالقرآن للصبي قبل بلوغ سن التكليف، وبالعلوم العينية بالنسبة للبالغ.
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل (في طلب العلم وما يبدأ به منه وما هو فريضة منه، وفضل أهله) قال الميموني: سألت أبا عبد الله أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا؛ بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه، ثم قال لي: إذا قرأ أولاً تعود القراءة ثم لزمها. وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زمننا هذا. وسيأتي قريباً قول ابن المبارك: إن العلم يقدم على نفل القرآن وهذا متعين إذا كان مكلفاً، لأنه فرض فيقدم على النفل. وكلام أحمد -والله أعلم- إنما هو في الصغير كما هو ظاهر السياق، والذي سأل ابن المبارك كان رجلاً فلا تعارض، وأما الصغير فيقدم حفظ القرآن لما ذكره أحمد في المعنى، ولأنه عبادة يمكن إدراكها والفراغ منها في الصغر غالباً، والعلم عبادة العمر لا يفرغ منه، فيجمع بينهما حسب الإمكان، وهذا واضح. وقد يحتمل أن يكون العلم أولى لمسيس الحاجة إليه لصعوبته وقلة من يعتني به بخلاف القرآن ولهذا يقصر في العلم من يجب عليه طلبه، ولا يقصر في حفظ القرآن حتى يشتغل بحفظه من يجب عليه الاشتغال في العلم كما هو معلوم في العرف والعادة. انتهى.
فمن هذا يتبين لك أن الأفضل لطالب العلم الشرعي الذي لم يصل إلى البلوغ هو أن يفرغ نفسه تماماً للقرآن وعلومه في البداية، ثم ينتقل إلى العلوم الشرعية الأخرى، وأما البالغ فإنه بعد الفاتحة وما تصح به الصلاة من القرآن يبدأ بالعلوم التي تتوقف عليها صحة عبادته.
والله أعلم.