خلاصة الفتوى:
إن أباكم إذا كان قصر في البحث عن الحكم الشرعي في مسألته، وعمل بفتوى غير صحيحة فإنه يكون آثما، ومن أراد تخليصه من الإثم فعليه تسديد ما نقص من أجرة كراء الشقة عن الفترة كلها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى الصور الجائزة والممنوعة في بدل الخلو، ولك أن تراجعي فيها فتوانا رقم: 9528.
ولقد تضمن السؤال ما يلي:
1. ما إذا كان على أبيك نصيب من الإثم في هذا الأمر، أم أن الإثم على المفتي وحده.
2. ماذا يجب فعله لرفع الإثم عن الوالد؟
3. هل يجب رد المال فقط أم مع زيادة أرباح المدة كلها؟
4. هل يجب حساب المدة التى تم فيها غلق الشقة بدون انتفاع بها؟
فأما السؤال الأول فجوابه أن من لم يكن من أهل العلم فواجبه أن يسأل العلماء المتخصصين الذين عرفوا بالعلم والحرص على الأخذ بالسنة مع الورع، والخشية لله تعالى. فهؤلاء هم الذين تطمئن النفس إلى أن ما يفتون به هو الصحيح، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {النحل: 43}.
وإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه.
قال الشاطبي رحمه الله: لا يتخير؛ لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار. ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً.. وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً.
وعليه، فكان من واجب أبيك – وقد أفتي بفتويين مختلفتين- أن لا يتخير دون مرجح.
وليس من شك في أنه إذا كان قد أخذ بقول ضعيف مع إمكان وقوفه على القول الصحيح فإنه يكون آثما.
كما أن الاستيلاء على تلك الشقة استنادا إلى قانون جائر يعد غصبا لتلك الشقة من صاحبها.
ومن شروط التوبة من الإثم أن ترد المظالم إلى أصحابها، فإذا كنتم تريدون تخليص أبيكم من الإثم فلا بد أن تعطوا صاحب الشقة ما فوته عليه أبوكم من منفعة شقته.
أما القدر الواجب رده من ذلك فإنه محل اختلاف بين أهل العلم، فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى ضمان الغاصب منفعة المغصوب، ووافقهما الحنفية في هذا إذا كان الشيء المغصوب معدا للاستغلال، ووافقهما المالكية فيما إذا استغل المغصوب، لا إذا لم يستغل. فقد جاء في الموسوعة الفقهية ما يلي: أما منافع المغصوب ففيه التفصيل الآتي: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الغاصب يضمن منفعة المغصوب, وعليه أجر المثل, سواء استوفى المنافع أم تركها تذهب, وسواء أكان المغصوب عقارا كالدار, أم منقولا كالكتاب والحلي ونحوهما; لأن المنفعة مال متقوم, فوجب ضمانه كالعين المغصوبة ذاتها.
وذهب متقدموا الحنفية إلى أن الغاصب لا يضمن منافع ما غصبه من ركوب الدابة, وسكنى الدار, سواء استوفاها أو عطلها، لأن المنفعة ليست بمال عندهم، ولأن المنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في يد المالك, فلم يتحقق فيها معنى الغصب، لعدم إزالة يد المالك عنها. وأوجب متأخروا الحنفية ضمان أجر المثل في ثلاثة مواضع - والفتوى على رأيهم - وهي: أن يكون المغصوب وقفا, أو ليتيم, أو معدا للاستغلال, بأن بناه صاحبه أو اشتراه لذلك الغرض. وإن نقص المغصوب -أي ذاته- باستعمال الغاصب غرم النقصان, لاستهلاكه بعض أجزاء العين المغصوبة. وأما غلة المغصوب: فلا تطيب في رأي أبي حنيفة ومحمد للغاصب، لأنه لا يحل له الانتفاع بملك الغير, وقال أبو يوسف وزفر: تطيب له. وقال المالكية: للمغصوب منه غلة مغصوب مستعمل إذا استعمله الغاصب أو أكراه, سواء كان عبدا أو دابة أو أرضا أو غير ذلك على المشهور, فإذا لم يستعمل فلا شيء عليه ولو فوت على ربه استعماله, إلا إذا نشأ من غير استعمال كلبن وصوف وثمر. انتهى.
فضمان الغاصب لمنافع الشيء المغصوب قد اتفقت عليه المذاهب الأربعة إذا كان المغصوب معدا للاستغلال واستغل.
وإذا لم يستغل – وهو معد للاستغلال- فإن جمهور أهل العلم على ضمان المنافع.
ومن هذا يتبين لك أن الواجب على أبيكم هو إعطاء أجرة المثل عن جميع المدة التي بقيت فيها الشقة تحت يده، اتفاقا بالنسبة للفترة التي استغلها فيها، وعلى قول الجمهور بالنسبة للفترة التي لم يستغلها فيها.
وإذا كنتم تريدون تخليصه من هذا الإثم فأعطوا صاحب الشقة حقه كاملا أو صالحوه عنه بما يرضى به.
وفيما ذكرنا رد على بقية أسئلتك.
والله أعلم.