السؤال
اكتشفت وأنا في عمر 56 سنة، بأن لي أختا أنجبتها أمي بعلاقة غير شرعية بعد وفاة أبي وكانت أوصت إأخواتي أن لا يخبرنني بهذه الأخت إلا بعد وفاتها كوني الذكر الوحيد من بينهن، أشهد أن أمي كانت امرأة تائبة, تقية, محسنة، فما يمكن من العمل حتى يغفر الله ذنبها؟
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
يشرع الاستغفار للأم والتصدق والحج والعمرة عنها، ويجب سترها وستر البنت وعدم قذفها بنفي النسب فهي لاحقة بالأب إذا كانت ولدت بعد أربع سنين أو أقل عند الجمهور.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يغفر لوالدتك ويتجاوز عنها ويتقبل أعمالها ويجعلها كفارات لما حصل منها، وكان عليها أن تستر نفسها ولا تخبر أحداً بمعصيتها، وكان على الأخوات ألا يخبرن أحداً، فأما إذا أعلمنك فعليكم جميعاً ستر الموضوع، لما في الحديث: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
فيجب سترها وستر البنت، أما النسب فنقول إذا كانت المرأة فراشاً لرجل فأتت بولد لمدة يمكن فيها أن يكون الحمل منه أي لأربع سنين أو أقل لأن أكثر مدة الحمل أربع سنين عند الجمهور، فإذا أتت به لأكثر الحمل أو أقل فإن هذا الولد ينسب إلى الزوج، ولا يجوز لأحد أن ينفي نسبه، إلا إذا أنكره الزوج ولاعن، فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبيه من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بينا بعتبة. فقال: هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر. واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة، فلم تره سودة قط. قال النووي في شرحه للحديث: معناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد، وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً.. انتهى.
وقد ذكر الدسوقي: أن المرأة إذا ولدت ولداً وتصادق الأبوان على نفي ذلك الولد وعدم لحوقه بالزوج فإنه لا ينتفي لحوقه بالزوج إلا بلعان منه هذا هو المشهور... فإن تصادقا على نفيه ولم يلاعن لحق به. انتهى. وإذا كان اتفاق الأبوين على نفي النسب لا ينفيه إلا بلعان فمن باب أولى ألا ينتفي بكلام الأم وحدها، أما إذا ولدت لأكثر من تلك المدة فلا تلحق بالرجل.
وأما ما يمكن عمله للأم ليغفر الله لها فأهمه الدعاء والاستغفار والتصدق عنها والحج والعمرة إن تيسرا وذلك لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. وقد روى أبو داود في سننه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما. وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ {إبراهيم:41}، كما حكى الله تعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام دعاءه قائلاً: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا {نوح:28}، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها، ولم توص وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم فتصدقي عنها، وقد سأل سعد بن عبادة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يتصدق عن أمه التي توفيت، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، فحفر سعد بيراً وقال هذه لأم سعد. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
فأكثر من الدعاء لها بالمغفرة والرحمة، وتصدق عنها إن استطعت، ولا تذكرها إلا بخير، ويستحسن أن تزوج بنتها عند بلوغها برجل يبعدها عن الاتصال بأعمامها من باب الاحتياط، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسودة في حق أخيها الذي ألحق بأبيها لكونه ولد على فراشه وكانت القافة تشهد بإلحاقه بعتبة بن أبي وقاص الذي ادعاه: الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة. رواه البخاري ومسلم.
ولو تصورنا أنها ولدت بعد فترة لا يمكن إلحاقها فيها بالوالد وكانت الأم تركتها في حضانة أو دار رعاية ولم يكن معروفاً أمرها في المجتمع فالأولى ستر موضوعها مع حرصكم على الاتصال بها وتربيتها الدينية والأخلاقية وتزويجها.
والله أعلم.