السؤال
سبق وأن تزوجت ابنتي زواجا عرفيا من رجل لا يصلي وغير ملتزم وكان زواجها عرفيا ثم اضطررت إلى تسجيل عقد الزواج بالمحكمة بعد أن رفع علي دعوى بالشرطة وكنت قد حلفت بالآتي، عهد علي مع الله بأن لا أساعده في هذا الزواج لا الآن ولا بالمستقبل، وبعد فترة تغير زوجها فهو الآن يصلي وبدأ يتعلم الشريعة الإسلامية ولكنه لاقى رفضا شديدا من أهله الذين يسكن معهم فما كان منهم إلا أن طردوه من الدار مع زوجته وسلبوا منهما كلما يملكون وكلما اشتروه لهما فباتا بلا سكن ولا مال ولا أي شيء، ولا أحد يساعدهم على العيش فبادرت إلى إعطائهم مبلغا من المال يساعدهم على استئجار شقة ومحل ليكون معينا لهم في العيش وأعطيتهم مبلغا من المال ليتبضعوا به، فما حكم الله علي هل أدفع كفارة يمين وهل يغفر لي الله علما أنني أعطيتهم ما أعطيتهم لأشجعهم على التمسك بدين الله ولأحمي ابنتي من الزلل ولكي تتمسك بالدين الحق الإسلام. أرجو الإجابة فالأمر بات يقلقني ويقض مضجعي، وجزاكم الله عني كل الخير وجعله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء نحن نحمد الله سبحانه أن أخذ بناصية زوج ابنتك إلى الهدى والرشاد, وهداه إلى إقامة الصلاة وتعلم شريعة رب العالمين ونسأل الله أن يديمه على ذلك .
أما ما ذكرته من أمر تسجيل عقد الزواج العرفي، فإنه مصلحة ولا شك, خصوصا بعد أن تاب الله على زوج ابنتك ووفقه للاستقامة، إذ المقصود من تسجيل الزواج في المحكمة صيانة الحقوق لكلا الزوجين وتوثيقها، وثبوت النسب وغير ذلك من المصالح.
وأما ما كان منك من أمر العهد مع ربك ألا تساعده في هذا الزواج لا حاضراً ولا مستقبلاً وقد حنثت في عهدك فقد اختلف أهل العلم في صيغة: أعاهد الله على كذا، وأقرب الأقوال أنها في غير الطاعات يمين تلزم بها كفارة؛ كما هو حال الأخ السائل فعليه أن يكفر كفارة يمين.
وأما تفصيل كلام أهل العلم في المسائل فنقول: ذهبت الحنفية إلى أنها من الأيمان، لأن اليمين هي معاهدة الله على تحقيق شيء أونفيه، قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا {النحل:91}. فجعل العهد يميناً، ووافقهم على ذلك الحنابلة.
قال ابن قدامة: في المغني: إذا حلف بالعهد أو قال عهد الله وكفالته، فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها.
وللمالكية قولان: جاء في مختصر خليل: وفي أعاهد الله: قولان.
وقال الدردير في شرحه: أظهرهما ليس بيمين.
وأما الشافعية فذهبوا إلى أنها لا تكون يميناً إلا بالنية كما في تحفة المحتاج وغيره، والراجح: أنها تارة تكون يميناً ونذراً, وتارة يميناً فقط، فإن التزم بها قربة وطاعة فهي نذر ويمين، كما لو قال: أعاهد الله أن أحج هذا العام.
وكما في قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {التوبة:75}.
وإن التزم بها ما ليس بقربة فهي يمين لا نذر، كما لو قال: أعاهد الله ألا أكلم فلاناً. وإلى هذا التفصيل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال رحمه الله في الفتاوى: فإذا قال: أعاهدُ الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين ، وإن قال لا أكلم زيداً فيمين وعهد لا نذر.
وثمرة هذا التفصيل: أن ما كان نذراً وكان الناذر متمكنا من فعله؛ فإنه يلزمه ذلك ولا تجزئه كفارة يمين، أما ما كان يميناً فهو مخير بين أن يمضي -إن كان في غير معصية- أو يكفر كفارة يمين.
وبناء على ذلك أخي السائل فإن الواجب عليك الآن هو كفارة يمين حيث إنك قد حنثت في عهدك, وينبغي أيضا مع ذلك أن تكثر من القربات والطاعات لله سبحانه لأن أمر العهد عند الله عظيم، فإن عائشة رضي الله عنها أعتقت أربعين رقبة، عندما عاهدت الله ألا تكلم ابن الزبير ثم رجعت وكفرت, وكانت بعد ذلك تبكي حتى تبل خمارها وتقول: واعهداه.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم : 7375، 69381، 5962.
والله أعلم.