الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفاءة في النكاح في الشرع

السؤال

عندما ينعدم وجود الزوج الكفء لامرأة كيف يكون الحد الأدنى لقبول الزوج، كذلك بالنسبة لاختيار المرأة، فأرجو تفصيلاً واضحا لهذه المسألة؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكفاءة الرجل للمرأة في النكاح معتبرة عند جماهير العلماء، وإن اختلفوا في تحديد ما تحصل به الكفاءة، فمنهم من يشترط لحصول الكفاءة مساواة الرجل للمرأة في أمور منها: النسب والدين والحرية والسلامة من العيوب واليسار... ومنهم من يقول بغير ذلك، والراجح أن الكفاءة معتبرة لكن اعتبارها بالدين والخلق خاصة، فلا يكون الفاجر والفاسق كفؤاً لعفيفة، ولا اعتبار لنسب، ولا لصناعة ولا لغنى ولا لشيء آخر ما دام الزوج مسلماً عفيفاً ووافقت المرأة ووافق أولياؤها.

أما إذا لم يتوفر شرط الاستقامة عند الرجل فلا يكون كفؤاً للمرأة الصالحة، وهذا هو قول المالكية، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح، لقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:13}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

يقول ابن رشد في بداية المجتهد: لم يختلف المذهب -يعني المالكي- أن البكر إذا زوجها أبوها من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم بعد ذلك فيفرق بينهما، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق.

وهذا ما رجحه ابن القيم فقال في زاد المعاد: قال: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك. انتهى كلامه.

ولكنا نقول: نظراً لضعف الدين في هذه الأزمان فإنه ينصح أن يتزوج الرجل بمن تساويه أو تقاربه من النساء، لأنه لو تزوج بمن تفوقه في أمور الدنيا فربما أدى في المستقبل إلى تعاليها أو تعالي أهلها عليه فلا تستقيم الحياة الزوجية حينئذ، وهذا واضح من التجارب والحالات التي حدث فيها زواج اختلت فيه الكفاءة، وتنصح المرأة بذلك أيضاً...

وأما إذا انعدم الكفؤ للمرأة في الأمور الدنيوية -كما تسأل السائلة- فللمرأة أن تتزوج من شاءت من المسلمين إذا وافق الأولياء عليه، لأن جماهير من يقولون بالكفاءة يقولون بأنها من حق المرأة والأولياء فإذا أسقطوها جاز لهم ذلك، جاء في تحفة الأحوذي لأبي العلا المباركفوري: فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح.

واستدلوا على ذلك بأحاديث كثيرة منها: أمره صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد وهو من الموالي فنكحها بأمره. والحديث في صحيح مسلم.

والخلاصة أن الكفاءة -باستثناء الكفاءة في الدين- ليست شرط صحة في النكاح وإنما هي حق للمرأة وأوليائها فليس لها أن تتزوج بغير الكفء بدون موافقتهم، كما أنهم هم ليس من حقهم أن يزوجوها به بغير رضاها، فإذا اتفقوا على إسقاطها سقطت ولكن ينصح باختيار صاحب الخلق والدين، والمساوي أو المقارب في الأمور التي يمكن أن يؤثر التفاوت فيها على العلاقة الزوجية فيما بعد، ومما سبق يعلم الجواب عن الشق الثاني من السؤال وهو أن اختيار المرأة ينبغي أن يكون على أساس الدين والخلق، فإن صاحب الدين والخلق إن أحب المرأة أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها، وللفائدة في الموضوع تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14218، 19166، 22388.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني