الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فإنا لم نطلع على نصّ حديث مرفوع في تاريخ أخذ موسى للألواح، ولكنه قال ابن كثير في البداية: قال جماعة من السلف –منهم: ابن عباس، ومسروق، ومجاهد-: الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة؛ فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر . انتهى.
ثم إنه لا علاقة بين مكان عرفة وبين ميقات موسى، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المواعدة كانت عند جبل الطور، روي ذلك عن ابن عباس، وأبي العالية -كما نقله القرطبي، والبغوي، والألوسي -.
وأما الحج أيام موسى: فقد كان موجودًا، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي الأزرق، فقال: أي واد هذا؟ فقالوا: هذا وادي الأزرق، قال: كأني أنظر إلى موسى -عليه السلام- هابطًا من الثنية، وله جؤار إلى الله بالتلبية، ثم أتى على ثنية هرشى، فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هرشى، قال: كأني أنظر إلى يونس بن متى -عليه السلام- على ناقة حمراء جعدة، عليه جبة من صوف، خطام ناقته خلبة، وهو يلبي . رواه مسلم.
وأما جبريل: فلم ينفخ الروح في العجل، وإنما ذكر المفسرون أن السامري صنعه من الذهب، الذي جمعه بنو إسرائيل، وقذف فيه قبضة من التراب الذي أخذه من موضع حافر فرس جبريل، وقذفه في جوفه، فصار له خوار كخوار العجل الحقيقي، وقيل: إنه صار عجلًا حقيقيًّا من لحم ودم؛ لقول الله تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ {طـه:88}.
وقد ذكر ابن كثير في البداية: أنه رأى فرس جبريل، وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضر وأعشب، فأخذ قبضة من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب، كان من أمره ما كان. انتهى.
وقد ذكر البغوي: أنه رأى مواضع قدم الفرس تخضر في الحال، فقال: إن لهذا شأنًا، فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرائيل، وألقي في روعه أنه إذا ألقى في شيء غيره، ثم ألقاها على الذهب، فخرج عجلًا من ذهب مرصعًا بالجواهر كأحسن ما يكون، وخار خورة. انتهى بتصرف.
وأما قوله: وأنا أول المؤمنين، فقد قال ابن كثير في التفسير: وأنا أول المؤمنين: قال ابن عباس، ومجاهد من بني إسرائيل، واختاره ابن جرير، وفي رواية أخرى عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين، أنه لا يراك أحد، وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون، ولكن يقول: أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة، وهذا قول حسن له اتجاه . انتهى.
وأما قوله: سقط في أيديهم: فمعناه: ندموا على ما صنعوا، كذا قال ابن كثير في التفسير.
وأما قوله: وفي نسختها: فقد قال البغوي في التفسير: وفي نسختها، اختلفوا فيه، قيل: أراد بها الألواح؛ لأنها نسخت من اللوح المحفوظ، وقيل: إن موسى لما ألقى الألواح، تكسرت، فنسخ منها نسخة أخرى، فهو المراد من قوله: وفي نسختها. وقيل: أراد: وفيما نسخ منها. انتهى.
وأما كيفية استلام الألواح: فلم نجد فيها نصًّا، سوى ما في القرآن من ذكر الله أنه كتبها له، وأمره بأخذها، كما في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا . قال الأستاذ سيد قطب في الظلال: وتختلف الروايات، والمفسرون في شأن هذه الألواح؛ ويصفها بعضهم أوصافًا مفصلة - نحسب أنها منقولة عن الإسرائيليات التي تسربت إلى التفسير - ولا نجد في هذا كله شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكتفي بالوقوف عند النصّ القرآني الصادق، لا نتعداه . .. أما ما هي؟ وكيف كتبت؟ فلا يعنينا هذا في شيء، بما أنه لم يرد عنها من النصوص الصحيحة شيء. والمهم هو ما في هذه الألواح. إن فيها من كل شيء يختص بموضوع الرسالة وغايتها، من بيان الله، وشريعته، والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة وطبيعتها التي أفسدها الذل، وطول الأمد سواء. انتهى.
وقد روى الطبري عن أبي العالية في تفسير قوله: وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة، قال: يعني ذا القعدة، وعشرًا من ذي الحجة. وذلك حين خلف موسى أصحابه، واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطور أربعين ليلة، وأنزل عليه التوراة في الألواح . انتهى.
وأما قول هارون : استضعفوني : فلا يناقض قوله: ونجعل لكما سلطانًا؛ لأن معنى سلطان: حجة قاهرة، كما قال ابن كثير في التفسير.
وقد وعدهما الله بهذا في شأن فرعون ، فلا يناقضه تمرد القوم على هارون ، ولا تهديدهم له، فالله حافظه وناصره.
فمعنى استضعفوني -كما قال ابن عاشور في تفسيره-: حسبوني ضعيفًا لا ناصر لي؛ لأنهم تمالؤوا على عبادة العجل، ولم يخالفهم إلا هارون في شرذمة قليلة . انتهى.
وقد ذكر الشيخ الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: أن بني إسرائيل لَمَّا فَتَنَهُمُ السَّامِرِيُّ وَأَضَلَّهُمْ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، نَصَحَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ هَارُونُ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ... وأمرهم هارون باتباعه في توحيد الله تعالى، وأن يطيعوه في ذلك، فصارحوه بالتمرد، والعصيان، والديمومة على الكفر حتى يرجع موسى. وهذا يدل على أنه بلغ معهم غاية جهده وطاقته، وأنهم استضعفوه، وتمردوا عليه، ولم يطيعوه. وقد أوضح هذا المعنى في قوله: قال ابن آم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين. فقوله عنهم في خطابهم له: {لن نبرح عليه عاكفين}، يدل على استضعافهم له، وتمردهم عليه، المصرح به في الأعراف . انتهى.
وأما سبب أخذ الرجفة لهم: فهو قولهم لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، وقيل: بل أخذتهم الرجفة بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل، وقيل: إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل، ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته، فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم . كذا قال الشوكاني في تفسيره.
وللمزيد في الموضوع راجع تفسير الطبري ، والبغوي ، وابن كثير ، وا لسيوطي ، والقرطبي .
والله أعلم.