السؤال
من الذين يستثنون من المرور على الصراط المستقيم، وكذلك من الذين لا يوزنون يوم القيامة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فللعلماء ثلاثة أقوال فيمن يستثنى من المرور على الصراط يوم القيامة:
الأول: يستثنى الأنبياء والرسل ومن يدخل الجنة بغير حساب، نقله العدوي المالكي عن السيوطي وهذا القول يشكل عليه توجيه ما ثبت في السنة من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته أول من يجيز الصراط كما سيأتي.
الثاني: لا يستثنى أحد، فكل الخلق يمرون على الصراط: الأنبياء والرسل والمؤمنون والكفار، ويسقط الكفار في أوله في النار، واختار هذا القول جمع من العلماء منهم النفراوي المالكي.
الثالث: يستثنى الكفار فقط لأنهم يسقطون في النار قبل أن يضرب الصراط على متن جهنم، ويمر عليه الأنبياء والمرسلون والمؤمنون، وهذا الأخير هو الذي تشهد له الأدلة من السنة، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .... ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم... انتهى مختصراً.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه التخويف من النار: ... فأما المشركون فإنهم لا يمرون على الصراط وإنما يقعون في النار قبل وضع الصراط، ويدل على ذلك ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة أذن المؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار.. -ذكر سقوط اليهود والنصارى في النار ثم قال-: ثم يضرب الجسر على جهنم.. انتهى مختصراً.
ووجه الشاهد أن الجسر يوضع على متن جهنم ليمر عليه الناس بعد سقوط الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم في النار، واستدل من قال إن الكفار يمرون على الصراط أيضاً بقوله تعالى: وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ {يس:66}، والصحيح ما قدمناه، وهذه الآية ليست في المرور عن الصراط يوم القيامة كما يفيده كلام جمهور المفسرين.
وكذا تعددت أقوال العلماء فيمن لا يوزن يوم القيامة.. فمنهم من استثنى من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم من استثنى الكافر لأنه لا حسنة له توزن، والأدلة تدل على أن الكافر توزن أعماله، كما قال الحافظ في الفتح: ويدل على محاسبة الكفار ووزن أعمالهم قوله تعالى في سورة المؤمنين: فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ -إلى قوله: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ... وحكى القرطبي في صفة وزن عمل الكافر وجهين: أحدهما أن كفره يوضع في الكفة ولا يجد له حسنة يضعها في الأخرى فتطيش التي لا شيء فيها، قال: وهذا ظاهر الآية، لأنه وصف الميزان بالخفة لا الموزون. ثانيهما: قد يقع منه العتق والبر والصلة وسائر أنواع الخير المالية مما لو فعلها المسلم لكانت حسنات، فمن كانت له حسنات جمعت ووضعت، غير أن الكفر إذا قابلها رجح بها، قلت: ويحتمل أن يجازى بها عما يقع منه من ظلم العباد مثلاً، فإن استوت عذب بكفره مثلاُ فقط، وإلا زيد عذابه بكفره أو خفف عنه كما في قصة أبي طالب... انتهى من الفتح.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني