السؤال
أنا متزوج وأحب زوجتي مثلما تفعل هي، ولكن المشكلة بوالدها فإننا نبعث له الرسائل والمعايدات وهو لا يتصل ولا يسأل عنها وعني وقبل يومين منعتها من الاتصال به لأنه قد تجاهلنا كثيراً، فهل هذا يجوز وهل أأثم على فعلتي ونحن بأجواء شهر الخير، وما العلاج لهذه الحالة، ونسيت أن أخبركم أني أقيم مع زوجتي بدولة ووالدها بدولة والاتصال منا له مكلف ومنه إلينا جداً رخيص؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن صلة الأرحام واجبة، أكد الله سبحانه عليها وحذر من قطعها، قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:22}، وقال صلى الله عليه وسلم: أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي اسماً، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته. رواه البخاري وأحمد وهذا لفظ أحمد.
والواجب على المسلم أن يصل أرحامه، وأن يعين على ذلك من تحت مسؤوليته كالزوجة والأبناء، لا أن يكون حجر عثرة أمامهم في ذلك، لأن هذا مما يؤدي إلى زيادة الشحناء والبغضاء بين الأقارب الأدنين، وهو أيضاً نوع من الإعانة على المعصية، والتشجيع عليها، وهو ما تأباه قواعد الشريعة وأصولها، قال الله عز وجل: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
فتبين من هذا أيها السائل أن ما قمت به من منع زوجتك من الحديث مع أبيها غير جائز، لما فيه من الأمر بعقوق الوالد وقطعه، وهذا خلاف ما أمر الله به، خصوصاً وأنك قد ذكرت أنك تحب زوجتك وهي تبادلك نفس الشعور، فلا تكدر هذه الأجواء التي من الله بها عليكما من التوافق والوئام، بالقطيعة والعقوق والخصام، فإنه مهما يكن من أمر فلن تطيب نفس زوجتك بمنعها من أبيها.. وإهمال أبيها للسؤال عنكم لا يبرر فعلكم، وليس لكم أن تقابلوا فعله بالمثل فإن حقه على ابنته أعظم من حقها عليه، وأيضاً فإن تفريط بعض الأرحام في الحقوق غير مسوغ لأن يقابل بالمثل، إذ الكل مسؤول أمام الله عن عمله، رهين بكسبه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وأما بالنسبة للمكالمات الهاتفية وتكلفتها العالية فيمكنكم الاقتصار على ما لا يلحق بكم الضرر، فلم يكلفكم ربكم ما يعنتكم ويضيق عليكم، والشارع لم يبين مقدار صلة الرحم ولا جنسها، فالرجوع فيها إلى العرف، فما تعارف الناس عليه أنه صلة فهو الصلة، وما تعارفوا عليه أنه قطيعة فهو القطيعة، قال ابن تيمية رحمه الله: فماله حد في الشرع أو اللغة رجع في ذلك إليهما، وما ليس له حد فيهما رجع فيه إلى العرف. انتهى من الفتاوى الكبرى، فعليكم أن تتصلوا به بالقدر الذي يرفع القطيعة والهجران، علماً بأن تكلفة هذه المكالمات لا يطالب بها الزوج إلا على سبيل الندب ومكارم الأخلاق، أما على سبيل الوجوب فلا، وللفائدة في الأمر تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7218، 22026، 40688.
والله أعلم.