السؤال
إخواني الأفاضل، أشكركم على جهودكم وجعلها الله في ميزان حسناتكم...
أما بعد، إخواني أنا أعاني من مشكلة نفسية ألا وهي أني أستفرغ عمدا بعد كل وجبة أتناولها، أعلم أن هذا الأمر حرام لأنها نعمة الله ، ولكن لا أستطيع أن أقاوم ولا أستطيع تحمل الطعام في معدتي وخصوصا إن كان في أوقات الصباح أو المساء، قبل البدء في الطعام أكون على علم بأني سوف أستفرغ وعليه أتناول وأتناول الطعام حتى أمتلئ، أنا نحيلة الجسد ولكن قبل 6 سنوات كنت بدينة وبعدما خسرت الوزن ، أصبحت لدي عقدة زيادة الوزن، لا أدري إن كنت أستطيع التغير، كثيرا ما أستغفر الله وأنوي ألا أعاود هذا الأمر ولكن يحدث أحيانا رغما عني وأنا لا أتناول طعاما صحيا بتاتا ولا أهتم بالطعام وفي أوقات معينة لا أتناول الطعام لفترات طويلة خوفا من الاستفراغ ومن البدانة.
ما الحل إخواني، أريد شيئا يردعني، حديث، آية، أجعلها نصابا عيني حتى أستطيع مقاومة هذا المرض والذي جعل صحتي سيئة.
ولكم التحية.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففقد ذكرت السائلة الكريمة علمها بحرمة ما تفعله، وهو كذلك إن كان الفعل بإرادة منها وقصد ولم يكن ذلك لدفع ضرر لا يمكن دفعه إلا بذلك، وقد سبق بيان حكم تقيؤ الطعام هربا من السمنة وما فيه من الجنايات العديدة، في الفتوى رقم:، 20991، والفتوى رقم: 33519.
والعلم بالحرمة كاف لإدراك خطر العقوبة التي تنتظر العاصي، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {يونس: 23}.
ثم من العجيب أن تأكل امرأة مسلمة لتتقيأ، وهي تعلم أن هناك من المسلمين من لا يجد من الخبز الجاف ما يسد به جوعه !! وأن هناك من المسلمات من تسقط حملها بسبب سوء التغذية !! وفي هذا وحده رادع لمن كان له قلب حي.
ثم اعلمي أختي الكريمة أن الله تعالى كما يبتلي الفقير الفاقد ليرى صبره، كذلك يبتلي الغني الواجد ليرى شكره وحسن استقباله لنعمه واستعماله لها، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الانبياء:35} وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:165} فإياك والبطر والكفر بنعمة الله، فإنه بذلك تزول النعم وتحل النقم، كما قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {النحل:112}، وقال عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ {القصص:58}.
فعليك أن تتقي الله وتشكري نعمة الرزق، وقد سبق بيان كيفية شكر النعم وقواعده في الفتوى رقم: 73736، كما سبق بيان كون شكر النعمة يقتضي عدم العبث بها، في الفتوى رقم: 12981.
واعلمي كذلك أن إضاعة المال والتبذير والإسراف كلها أفعال ذميمة ومحرمة، ولا تؤدي بصاحبها إلا إلى الضياع ومحق البركة، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 50261، 31942.
وأخيرا.. أختي الكريمة عليك أن تتذكري حال النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ النُّعْمَانُ بْنَ بَشِيرٍ: ذَكَرَ عُمَرُ رضي الله عنه مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنْ الدُّنْيَا فَقَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ دَقَلًا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ.
وقال في رواية: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ، وَمَا تَرْضَوْنَ دُونَ أَلْوَانِ التَّمْرِ وَالزُّبْدِ". رواه مسلم وأحمد. والدقل هو التمر الرديء اليابس.
وبإمكانك أن تعرضي نفسك على أطباء ثقات عسى أن يكون ما بك بسبب مرض معين فيصفوا لك الدواء الشافي بإذن الله تعالى، وقبل ذلك وبعده اسألي الله تعالى العافية والتوفيق لما يحب ويرضى وأن يبعدك عما يسخطه.
والله أعلم.