الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن رحمة الآباء بأبنائهم والأجداد بأحفادهم والحنو عليهم والشفقة بهم كل هذه أمور مركوزة في فطر غالب المخلوقات حتى البهائم، والناس يتفاوتون في ذلك، وقد ندب إليه الشرع الحنيف.
ففي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يرحم لا يرحم.
وورد في أحاديث أخرى أن عدم تقبيل الأولاد والشفقة بهم سببه قسوة القلب.
روت عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة.
والشرع الحنيف قد جعل الأجداد بمنزلة الآباء, قال سبحانه حكاية عن عبده ونبيه يوسف: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ {يوسف:38}
جاء في فتح القدير للشوكاني: وسماهم آباء جميعاً؛ لأن الأجداد آباء.
فتبين بهذا قبح ما تفعله هذه الجدة مع أحفادها، وأنه مصادم للفطرة مخالف للشرع, وكذا ما يفعله الأخوال فإن أولاد أختهم من أرحامهم التي فرض الله صلتها وأوجب البر بها والإحسان إليها, وكان حقهم أن يكونوا عونا لهم على ماهم فيه من البلاء الذي وقع عليهم بطلاق أمهم من أبيهم وتفكك أسرتهم وتشتت شملهم, لا أن يقسوا عليهم فيزيدونهم بلاء مع بلائهم, ومحنة فوق محنتهم.
ولكن مع هذا فلا يجوز للأولاد أن يسيؤوا إلى جدتهم ولا إلى أخوالهم, ولا أن يقابلوا جفاءهم بمثله، كلا, بل عليهم أن يؤدوا ما عليهم من حقوق البر والصلة لهم، وأن يحتسبوا ما ضاع من حقوقهم عند ربهم, فهذه هي الصلة الحقيقية التي أمر بها الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم .
فقد جاء في صحيح البخاري وغيره عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وليعلموا أن هذا ليس من الضعف والذل ولا من الخور والمهانة، بل هم الأعلون إن فعلوا, وهم الظاهرون إذا صبروا، وبهذا يستجلب عون الله ونصرته.
فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: لئن كنت كما قلت: فكأنما تُسِفُّهُمْ المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك. أي: فكأنما تطعمهم الرماد الحار.
وللفائدة تراجع الفتويين: 68850, 101410.
والله أعلم.