فالخاطب أجنبي عن مخطوبته، فلا يحل له النظر إليها ولا التقبيل ولا ما هو فوق ذلك مما ذكرت، بل هو كسائر الناس حتى يتم عقد النكاح، وإنما أباح الشارع له أن ينظر إلى من يريد خطبتها أول الأمر ليكون ذلك مرغباً له في نكاحها ومعرفاً له لصفة من يرتبط بها، وهذا إنما يكون مرة واحدة أو مرتين عند الحاجة. وما حدث منكما إثم عظيم يستوجب المبادرة بالتوبة النصوح إلى علام الغيوب - جل وعلا – ولا ندري ما هو المقصود بقولك ( جماع خارجي) فإن كان قصدك به هو ما يكون من تلامس الأعضاء ونحو ذلك دون إيلاج , فهذا ليس من الزنا الذي يوجب الحد بل هو من مقدمات الزنا, فإن الزنا الموجب للحد لا يتحقق إلا بإيلاج الحشفة أو قدرها في الفرج.
جاء في حاشية الجمل في تعريف الزنا: فيقال في تعريفه شرعا هو: إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعا بلا شبهة. انتهى
فلو حدث هذا الإيلاج فقد حدث الزنا، ولو كان بحائل، كأن كان من وراء الملابس ونحو ذلك, جاء في مغني المحتاج: وحقيقته الشرعية الموجبة للحد ( إيلاج ) حشفة أو قدرها من ( الذكر) المتصل الأصلي من الآدمي الواضح ولو أشل وغير منتشر وكان ملفوفا في خرقة ( بفرج ) ( محرم ) في نفس الأمر ( لعينه ) أي الإيلاج ( خال عن الشبهة ) المسقطة للحد ( مشتهى ) طبعا بأن كان فرج آدمي حي. انتهى بتصرف.
ولا ندري أيضا هل تكرر منكما هذا الفعل بعد عقد النكاح أم لا؟ فإن لم يكن قد تكرر ذلك فقد أصبت وأحسنت عندما سترت نفسك أمام القاضي، ولم تتحدثي بما كان بينكما؛ لأن ما حدث قبل عقد النكاح إنما هو معصية محضة. والشرع قد أمر بستر النفس وستر عصاة المسلمين، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
فيجب عليك أن تستديمي هذا الستر ولا تحدثي أي أحد بما كان منك, خصوصا هذا الشاب الذي خطبك بعد ذلك, حتى ولو سألك عن مثل هذا فلا تحدثيه، واستعملي في ذلك التورية والمعاريض.
والطلاق في هذه الحالة يقع طلاقا بائنا بينونة صغرى إذا لم تكن بينكما خلوة بعد العقد يمكن فيها الوطء عادة.
أما لو كان قد حدث بينكما – بعد العقد - استمتاع أو خلوة يمكن فيها الوطء عادة، فإن هذا له حكم الدخول على الراجح من أقوال أهل العلم إذا ثبتت هذا بالإقرار أو بالبينة. ودليله ما رواه الإمام أحمد بإسناده إلى زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة.
وعليه؛ فإنك تستحقين جميع الحقوق المقررة للمدخول بها، فلك جميع المهر، وتجب عليك العدة ، ولك أيضا النفقة من حين الخلوة إلى نهاية العدة، وأما نوع الطلاق في هذه الحالة فقد اختلف فيه الجمهور والحنابلة، فذهب الجمهور إلى أنه طلاق بائن ، وذهب الحنابلة إلى أنه طلاق رجعي ، يملك الزوج فيه أن يراجع زوجته في العدة دون عقد أو مهر جديدين.
جاء في الموسوعة الفقهية في شروط الرجعة : الشرط الثاني : أن تحصل الرجعة بعد الدخول بالزوجة المطلقة ، فإن طلقها قبل الدخول وأراد مراجعتها فليس له الحق في ذلك ، وهذا بالاتفاق ؛ لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) ، إلا أن الحنابلة اعتبروا الخلوة الصحيحة في حكم الدخول من حيث صحة الرجعة ؛ لأن الخلوة ترتب أحكاما مثل أحكام الدخول ، أما الحنفية والمالكية والشافعية على المذهب فلا بد عندهم من الدخول لصحة الرجعة ، ولا تكفي الخلوة. انتهى .
ولاشك أن الأحوط هو الأخذ بقول الجمهور وكان عليك في هذه الحالة أن تخبري القاضي بما حدث بينكما من خلوة أو استمتاع , لأن هذه المسألة خلافية وحكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الخلافية, فلو لم تخبريه فعليك أن تعتدي، ولا يجوز لك الخطبة أثناء العدة، وعليك أن تستغفري لذنبك وتتوبي لربك.
للفائدة تراجع الفتاوى رقم: 1151، 58166، 20064.
والله أعلم.