السؤال
ما حكم شخص قتل ضميره الآمر له بالخير والناهي له عن الشر والزاجر له عن الشرك والكفر والداعي له للإيمان والتوحيد وفعل الخير، فأصبح على ورقة ظلماء لا يعرف شيئا، يعمل العمل يجهل حكمه، أو يعمل الأعمال وهو ناس لحكمها، فكيف حكمه؟ هل يحاسب على أعماله أم يعفو الله عنه؟ وكيف يفعل لكي يعيد ضميره الذي مات موتا فعلياً، ونرجو منكم الدعاء له بظهر الغيب بالفرج وعودة الضمير له. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولاً إلى أن كلمة الضمير من الألفاظ التي شاع استعمالها في عصرنا في المدح والذم، وترتب على هذا الاستعمال الحادث غياب الكلمات الشرعية التي ينبغي أن تستعمل في مثل هذا، مثل (التقوى - والخشية - والخوف من الله..) لذلك من الخطأ أن تستعمل تلك الكلمة هذا الاستعمال الحادث، وينبغي أن تستبدل بالكلمات الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 28804.
أما بخصوص ما تسأل عنه، فإن العبد مسؤول عن أعماله ما دام مكلفاً، وإنما يعفى عن غير المكلف كالصبي والمجنون والنائم، أما المكلف فإنه يؤاخذ بأعماله حتى لو كان يعمل العمل ولا يبالي بحرمته، فلا أثر لما تسميه موت الضمير -أو موت القلب كما هو التعبير الصحيح- في رفع التكليف عنه، ثم إن موت القلب يكون بتفريط من العبد، فإن العبد إذا تهاون في الطاعات، وأكثر من المعاصي، وغفل عن ذكر الله تعالى، وأعرض عن العلم الشرعي أدى ذلك إلى موت قلبه، وأيضاً فعلى العبد أن يسعى في إصلاح قلبه، وذلك بالإكثار من الطاعات، وخصوصاً قراءة القرآن وذكر الله تعالى والبعد عن المعاصي والتوبة إلى الله عز وجل وكثرة الاستغفار..
وقد ذكر ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان ما ملخصه: أن القلوب تنقسم إلى صحيح وسقيم وميت، فالقلب الصحيح السليم ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق تام الانقياد والقبول له. والقلب الميت القاسي لا يقبله ولا ينقاد له. والقلب المريض إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي، وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم.
والقلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه رضي ربه أم سخط... فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضا مولاه، فالهوى إمامه والشهوة قائده، والجهل سائقه والغفلة مركبه، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، ينادى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد ولا يستجيب للناصح ويتبع كل شيطان مريد، الدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه.. قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلب على قلبين؛ قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض.
ثم قال: فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوته وهو الإيمان وأوراد الطاعات، وإلى حمية عن المؤذي الضار وذلك باجتناب الآثام والمعاصي وأنواع المخالفات، وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له وذلك بالتوبة النصوح واستغفار غافر الخطيئات. انتهى.
وقال أيضاً: جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه... وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره فيصير القلب محباً للرشد مبغضاً للغي. انتهى.
وإذا أردت معرفة أحوال القلوب وكيفية علاجها بمزيد من التفصيل فعليك مراجعة هذا الكتاب النافع، ونسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا، وأن يصلح قلب هذا الرجل المسؤول عن حاله.
والله أعلم.