السؤال
إذا كنت أعمل فى القاهرة، وأنا على وشك الزواج من فتاة تعيش قى الإسكندرية، ويطلب مني أهلها وهي أن أسكن فى الإسكندرية، وأغادر القاهرة حتى تعيش بجوار أهلها، ونظراً لأنه هناك عدم ارتياح ومشاكل بين والدتي وبين أهلها نظراً لأنني ابن والدتي الوحيد، وهي تحبني حب أنانية وتغار من أي شخص يتقرب مني أكثر منها، فماذا أفعل أعيش فى القاهرة التي فيها أهلي ووالدي ووالدتي الذين يحتاجونني فى أشد الظروف؛ نظراً لسنهم الكبير، ويحتاجون المراعاة والاهتمام مني، وكذلك لأن بها مكان عملي الذي كبرت وتأسست فيه ونسقت أوضاعي به بعد طيلة فترة غربة عن مصر، قاربت من خمس سنوات، وأذهب إلى الإسكندرية وأبدأ فى وضع أقل نسبيا فى الدرجة الوظيفية، ولكنه ليس أقل من الناحية المادية، وأبدأ حياتي من أول خطوات السلم، وأبدأ فى تكوين علاقات جديدة الله أعلم بها، وأبدأ في مكانة وظيفية فى علم الغيب لم أدر عنها شيئا من قبل، ولكن سوف أتعلمها منذ البداية لكي تستريح المرأة التي سوف أتزوجها نظراً لأنها تخاف من والدتي أنها قاسية فى التعامل وأنها لم تحضر وفاة والدتها، ولم تقف فى جانبها لكي تواسيها، فهي بالتالي لن تقف بجانب زوجتي عندما تتعب زوجتي أو تحمل، ولن تجد من والدتي الأهتمام والحب وكذلك إخوتي...... فأرجو من سيادتكم الرد على سؤالي فى أسرع وقت ممكن مع الاستناد بأحاديث وآيات قرآنية تكون عونا لي في فهم وإدراك الأمور كاملة بإذن الله؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن بر الوالدين والإحسان إليهما واجب، لقوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، وتضييع حقوقهما من العقوق، وعقوق الوالدين من الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. أخرجه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولا شك أن تركك لوالديك وإقامتك في بلد زوجتك بعيداً عنهما سيؤلمهما غاية الألم خصوصاً مع ما ذكرت من كونك وحيد أمك، وأن قلبها متعلق بك إلى حد كبير، فلن يرضيا منك إلا أن تكون بالقرب منهما، مراعياً لشؤونهما، قائماً بحاجاتهما، والواجب عليك ترك ما يحزنهما ويلحق الضرر بهما، فطاعة الوالدين في المعروف وترك ما يحزنهما واجب، كما نص على ذلك أهل العلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى. وقال ابن الصلاح في فتاويه: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات. اهـ
وعلى ذلك فإنه لا يجوز لك أن تتركهما إلا إذا رضيا هما بذلك عن طيب نفس، وكان معهما من الأقارب والأرحام من يقوم بشؤونهما وحاجاتهما، وعليك مع ذلك أن تكثر من زيارتهما والسؤال عنهما بما يصرف عنهما وحشة بعدك، وفراقك لهما.. فإن لم يرضيا فعليك أن تقنع زوجتك وأهلها بإقامتك معهما، وأنه ليس من البر ترك والديك - وهما في هذه السن وهذا التعلق بك - في مكان ثم تذهب لتعيش أنت في مكان آخر، فإن أجابوك لما تريد، وإلا فلا تؤثر على طاعة والديك وبرهما شيئاً، ولعل الله أن يرزقك خيراً منها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 6563.
والله أعلم.