الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الزنا من الكبائر التي تجلب غضب الله، كما أنه جريمة خطيرة لها آثارها السيئة على الفرد والمجتمع، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا {لإسراء:32}.
وتحريم الزنا لا يخفى على مسلم، كما أن تحريمه تؤيده الفطر السليمة والأخلاق الكريمة.
وإذا وقع الزنا من رجل قد منَّ الله عليه بالزواج، فهو أقبح وأشنع، واستبدال للخبيث بالطيب، وقد توعد الله فاعله بالعذاب والخزي في الدنيا والآخرة، وجعل حده الرجم.
لكن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه من تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته ويعفو عنه، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.
فالله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، ويحب التوابين ويفرح بتوبتهم.
وشروط التوبة الصادقة الإقلاع عن الذنب والندم والعزم على عدم العود ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 5091، والفتوى رقم: 5450.
وننبه السائل إلى أنه ما وقع في ذلك إلا لتهاونه في التزام أوامر الله، وتعديه لحدوده، فإن الشرع قد حرم كل ما يفضي إلى الزنا ويدعو إليه، فالخلوة بالمرأة الأجنبية حرام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ متفق عليه.
وكذلك لا يجوز لمس بدنها، بل ولا الحديث معها لمجرد الاستمتاع والتشهي وإنما يجب أن يتقيد ذلك بقيود الكلام مع الأجنبية فلا يكون إلا للحاجة والمصلحة المعتبرة شرعاً في حدود الاحتشام والجدية والبعد عن كل ما يثير الفتنة من الخلاعة والليونة وإزالة الكلفة.
وكذلك حرم إطلاق البصر إلى النساء، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}.
فإذا كنت صادقاً في إرادة التوبة فعليك بالتزام أوامر الله والوقوف عند حدوده، واستعن بالله واعتصم به وتوكل عليه، فإنه لا قوة لك إلا به، قال تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام : قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ {يوسف: 33}.
وعليك بالحرص على مصاحبة الصالحين وحضور مجالس العلم والذكر، والبعد عن رفقة السوء ومجتمعات المعاصي.
واعلم أنك إذا لم تستطع تجنب الوقوع في المعاصي في البلد الذي تقيم فيه فإنه يكون من الواجب عليك أن تهاجر إلى بلد تأمن فيها الوقوع في الفتن.
وعليك بالستر على نفسك، فلا تخبر أحداً بذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
والله أعلم.