السؤال
أريد استشهادا من القرآن الكريم والسنة أنه إذا اشتد غضب الله سبحانه وتعال على قوم يأمر بموتهم؟
أريد استشهادا من القرآن الكريم والسنة أنه إذا اشتد غضب الله سبحانه وتعال على قوم يأمر بموتهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخبرنا الله في كتابه العزيز بسنة من سننه الماضية فقال: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا *وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ( {الإسراء:17،16}
أي أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا وخالفوا أمر الله وخرجوا عن طاعته، فوجب عليهم بمعصيتهم وفسوقهم، وعيد الله الذي أوعد من كفر به وخالف رسله، من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرسل والحجج، فخرّبناها عند ذلك تخريبا، وأهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكا. كما قاله الطبري في تفسيره.
وقال تعالى أيضا: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ {الأنعام: 6} وقال سبحانه: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا {الكهف : 59}.
وقد حكم القرآن بهذه السنة حكما عاما فقال تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا {الإسراء: 58 }
قال السعدي: أي: ما من قرية من القرى المكذبة للرسل إلا لا بد أن يصيبهم هلاك قبل يوم القيامة أو عذاب شديد، كتاب كتبه الله وقضاء أبرمه، لا بد من وقوعه. انتهـى.
وفي القرآن أمثلة كثيرة لهذه السنة الإلهية، سواء للأمم المكذبة للرسل أو من صدقهم ثم عصاهم وخالف أمرهم.
فمن النوع الأول قوم نوح وعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم فرعون، قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ*وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ*وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ*فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {العنكبوت:40،39،38،37،36}.
وقال عز وجل: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ {الأنفال:54،53،52،51}.
ومن النوع الثاني ما حدث لبني إسرائيل، كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ {البقرة:55،54}
ولا يعني هذا أن كل قتل أو موت جماعي يكون بالضرورة عقوبة ودليلا على غضب الله تعالى على القتلى أو الموتى، ومثال ذلك ما كان في زمان الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ففي سنة 18 هـ التي تعرف بعام الرمادة حدث جدب عم أرض الحجاز، وجاع الناس جوعا شديدا حتى كادوا يهلكون ، واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر. وفي هذه السنة نفسها نزل بالمسلمين طاعون عمواس، فمات فيه خمسة وعشرون ألفا . وقيل: ثلاثون ألفا . منهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنهم.
فليس هذا الموت الذريع بهذا الطاعون علامة غضب، كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون شهادة لكل مسلم. رواه البخاري ومسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم عن الطاعون : كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين ، ما من عبد يكون في بلد يكون فيه ويمكث فيه لا يخرج من البلد صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد. رواه البخاري.
فينبغي أن ينظر في حال الموتى فإن كانوا مؤمنين مستقيمين على طاعة الله، قلنا: فضل من الله ورفعة في الدرجات وتعجيل إلى الجنة، كمن قتلوا في قصة أصحاب الأخدود.
وإن كانوا مؤمنين مخلطين عندهم معاص ظاهرة وذنوب فاشية، قلنا: رحمة من الله وطهرة وكفارة وتمحيص ولعلهم يرجعون بالتوبة والإنابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن السيف محاء للخطايا. قال المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني وابن حبان في صحيحه والبيهقي اهـ. وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل. رواه أبو داود وأحمد. وصححه الألباني. قال العظيم آبادي: (عَذَابهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَن): أَيْ الْحُرُوب الْوَاقِعَة بَيْنهمْ (وَالزَّلَازِل) أَيْ الشَّدَائِد وَالْأَهْوَال. انتهـى.
وإما إن كانوا كافرين فنقول كما قال الله: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ {الرعد: 34}
وقال سبحانه: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ* وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ*حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ{المؤمنون:77،76،75}
وقال عز وجل: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ*فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {الزمر:26،25}.
هنا، وننبه إلى أن الله تعالى قد يمهل الظالمين ويستدرجهم ويملي لهم حتى يأخذهم سبحانه أخذ عزيز مقتدر، كما أخبر الله بذلك في أكثر من موضع في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني