السؤال
'لي أخ أحب امرأة كانت متزوجة ونصحناه بحرمة ذلك وكان يزورها في بيتها في حضور زوجها وأبنائها ولما نصحناه بالزواج قال لن أتزوج غيرها!! وأخيرا طلقها زوجها أو طلبت هي الطلاق منه وتزوجها أخي, والآن أنا أرفض زيارته في بيته وأمنع أبنائي من زيارته, وأقول له الموعد الله , وهو يقول إني تبت وهي تابت وتزوجنا, فأقول له الموعد الله, ولا أزوره لا أنا ولا أبنائي علما بأنه كان يأتي يزورنا ثم امتنع من ذلك لعدم زيارتنا له, فهل موقفي منه صحيح ؟ أرجو الإفادة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن اتفاق رجل مع امرأة ذات زوج على الزواج منها بعد طلاقها من زوجها، هو من التخبيب، وحقيقته إفساد الرجل زوجة غيره عليه، وهو من الذنوب العظيمة، التي هي من أفعال السحرة والشياطين، فمن اقترف هذا الإثم فقد شابه شياطين الإنس والجن ووالاهم واتبعهم, وقد حكى الله ذلك عنهم في قوله سبحانه: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ {البقرة: 102}.
وجاء في صحيح مسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت، فليتزمه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها أخرجه أحمد واللفظ له والبزار وابن حبان في صحيحه.
واختلف الفقهاء في حكم نكاح المخِّبب بمن خبب بها على قولين الأول: الجواز وهو مذهب جماهير أهل العلم ، فهم وإن كانوا يرون تحريم التخبيب، إلا أن النكاح صحيح عندهم.
ويرى المالكية وهو قول بعض أصحاب أحمد: أن نكاحه باطل عقوبة له لارتكابه تلك المعصية، ويجب التفريق بينهما معاملةً له بنقيض قصده.
والذي نفتي به في الشبكة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من صحة نكاحه، فالتخبيب وإن كان حراماً وكبيرة من الكبائر إلا أن النكاح إذا وقع بشروطه الشرعية كان نكاحاً صحيحاً، وما سبقه من تخبيب لا يعود عليه بالإبطال ، وأما ما كان منك من هجر لأخيك على فعله فلا شك أن هذا مما يشرع في دين الله سبحانه, قال سبحانه: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ {المجادلة:22} الآية.
وهذه الآية الكريمة ليست خاصة بأهل الكفر كما يظن كثير من الناس بل تشمل أيضا عصاة المؤمنين, قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: استدل مالك رحمه الله من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم. قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. انتهى.
وفي صحيح مسلم عن سالِم بن عبـد الله أنَّ عبـد الله بن عمر قال : سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها، قال: فقال ابنه بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعهن؛ قال : فأقبل عليه عبد الله فسبه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط وقال: أُخْبِرُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: وَاللهِ لَنَمْنَعَهُنَّ، وفي روايةٍ أخرى: فمَا كَلَّمَه عبد الله حتى مات .
وقد هجر السلف بأقل مما فعله أخوك فقد جاء في كتاب الزجر بالهجر للسيوطي قال القاضي أبو الحسن: لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفُسَّاق الْمِلَّة، ولا فَرْق في ذلك بين ذوي الرحم والأجنبي إذا كان الحق لله؛ فأمَّا إذا كان الحق للآدمي كالقَذْفِ والسَّب والغِيبَة وأخْذ مَاله غصباً ونحو ذلك نَظَرَ، فإنْ كان من أقاربه وأرحامه لَمْ يَجُز هِجْرُه، وإن كان غيره جاز.
لكن إن ظهرت من أخيك علامات التوبة الصادقة , والندم على ذلك الفعل عند ذلك فارجع إلى معاملته وصلته فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وكذلك إذا كان هجره غير مفيد في إصلاحه فإن ترك الهجر أولى، وراجع الفتوى رقم: 20400، والفتوى رقم: 29501.
علما بأن من شروط التوبة أن يتحلل زوج هذه المرأة مما كان منه من عدوان على بيته وعرضه وزوجه وأولاده إن كان له أولاد إلا إذا خاف حصول مفسدة كبيرة من ذلك عندئذ فإنه يكتفي بالتوبة ثم يكثر من الدعاء والاستغفار له.
والله أعلم.