السؤال
جزاكم الله خير الجزاء على ما تقدمونه أنا صاحبة الفتوى رقم: 117552 لقد تكرمتم بالرد علي ولكن لا أستطيع، أنا أريد أن أفرق بين ما أن يكون هذا الاعتراض مجرد ثقل على نفس المسلم لما قلتم في الرد أما إنه عدم الرضا والشك فيه (ما المقصود بالشك هنا) أنا بداخلي هذا الاعتراض، وفي نفس الوقت أشعر بكراهية نفسي بأنني معترضة على هذه الأحكام وأدعو الله أن يصرف عني هذا حتى لا أتعذب بنار جهنم، الآن لا أدري هل أفارق زوجي أنا لا أتذكر بالضبط ماذا أحدث ذلك ومتى علمت بفراق الزوجين، سؤالي الأخير وهو الذي سيكون رده الشافي بإذن الله هل لو قمت الآن واغتسلت ونطقت الشهادة هل يتطلب مني فراق زوجي أيضا وهل مسي للمصحف والصلاة لا يجوز لي فأفيدوني فأنا أتعذب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنبشرك أيتها السائلة بأن ما تحسين به من بغض لنفسك وضيق في صدرك بسبب هذه الوساوس التي تغريك بالاعتراض على أحكام الله هو من علامات الخير والنجاة؛ بل هو إن شاء الله صريح الإيمان لأن المؤمن يكره ما يخالف الإيمان ويبغضه، بخلاف المنافق فإنه يفرح -والعياذ بالله- بضلاله وآثامه ويطمئن إليها ويدافع عنها، ولذا فإنه لما وجد بعض الصحابة رضوان الله عليهم شيئاً من ذلك وشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أو قد وجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
جاء في شرح النووي على مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك. انتهى.
وجاء في كتاب الإيمان لابن منده: ذكر ما يدل على أن الوسوسة التي تقع في قلب المسلم من أمر الرب عز وجل صريح الإيمان... عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أجد في نفسي -الحديث- لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به فقال: ذاك صريح الإيمان. انتهى. فتأملي كيف جعل رسول الله بغض الشخص لهذا الذي يجده في صدره وتحرجه من الكلام به هو محض الإيمان.. وبالتالي فإن إيمانك لا يتأثر بهذه الوساوس إن شاء الله، طالما أنك كارهة لها ساعية في دفعها ودحضها بل لعل هذا باب من أبواب الطاعة ومجاهدة النفس قد فتحه الله لك ليرى صبرك وثباتك، وعلاقتك بزوجك لا تتأثر أيضاً بذلك بل هي كما هي، وإياك أن تمتنعي عن زوجك أو تفارقيه بسبب هذه الوساوس فهذا باب شر كبير فلا يستدرجك الشيطان إليه.
وننصحك للاستعانة على ما أنت فيه بما يلي:
1- أن تكثري من الصلاة ذكر الله والدعاء والتضرع إليه سبحانه أن يصرف عنك هذا البلاء.
2- أن تُعرضي عن هذه الوساوس ولا تسترسلي معها فإن أعظم علاج للوساوس بعد الاستعانة بالله سبحانه هو الإعراض عنها جملة واحدة والانصراف عن التفكير فيها.
3- أن تقبلي على تعلم أمور الدين فتعرفين بذلك عظمة الشريعة وبركتها وحكمتها، فإن من جهل شيئاً عاداه، والجاهل بأحكام الله سبحانه وأمره قريب من الشيطان فما أيسر أن يوسوس له وأن يضله بخلاف العالم المتعلم، فإن الله يعصمه بالعلم، فإذا أقبلت على دراسة العلم ومعرفة أسرار التشريع وعلل الأحكام اطمأن قلبك وأخبت إلى ربه، قال سبحانه: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {الحج:53-54}
أما بخصوص الشك الذي نقصده في الفتوى فهو الشك في كون الأحكام الشرعية من عند الله، أو الشك في كونها محض الخير والمصلحة للعباد، لأن الشك في ذلك كفر والعياذ بالله.
والله أعلم.