الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد أولا من وضوح الرؤية في الفرق بين السلفية كجماعة تحال جهدها أن تقيم منهجها في الاعتقاد والعمل على كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبين السلف الصالح الذين هم خيار هذه الأمة في القرون المفضلة المزكاة بتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
فإذا اتضح لك ذلك الفرق فاعلم أن الواجبُ على كل مسلم أن يعتقدَ أنه لا ينجيه غداً بين يدي الله إلا أن يعتقد العقيدة التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم، وهي العقيدة الصافية النقية المتلقاةُ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وهي التي ربى النبي صلى الله عليه وسلم عليها الصحابة وعلمهم إياها، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن تشعب الأمة وافتراقها، ووضح سبيل النجاة توضيحاً لا يلتبس معه الحق بالباطل، فقال صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وقد شرط الله عز وجل في إيمان من يجيءُ بعد الصحابة أن يكون مماثلاً لإيمانهم، لكي يكون مهتدياً، قال عز وجل: فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ {البقرة :137}.
وشك المسلم في هذه القاعدة الكبرى والركيزة الأساسية من ركائز الدين يُعد خللاً في إيمانه وضعفاً في عقيدته، فالواجبُ عليك -أيها الأخُ الفاضل- أن تلزم الحق وتثبت عليه، وأن تنظر إلى ما كان عليه السابقون الأولون من الهدى والاعتقاد فتلزمه، وأن تقطع وتجزم أنكَ لا تنجو إلا بهذا، قال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100}.
وعليكَ أيضاً أن تقطع وتجزم ببطلان كل معتقد خالف هذا المنهج الواضح، وأن عقائد أهل الكلام والفلسفة فضلاً عن من هم أشد منهم بدعة ليسَ فيها من الحق إلا ما وافقوا فيه الكتاب والسنة، وعليكَ أن تخلص قصدك ونيتك لله تعالى، وأن تجتهد في سؤاله الهداية إلى سواء السبيل.
وهذا الدعاء الذي ذكرته ليسَ كفراً، وليس فيه مخالفة إلا من حيثُ ما يبدو من شكك في كون عقيدة السلف هي الواجب اعتقادها. وخيرٌ من هذا الدعاء الذي ذكرته ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم - وهو: اللهم اهدني وسددني. أخرجه مسلم.
وادع كذلك بالمأثور عن أبي بكرٍ رضي الله عنه: اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه، ولا تجعله مُلتبساً علي فأضل.
ولاحظ أنك في كل ركعةٍ من ركعات صلاتك تدعو قائلا: اهدنا الصراط المستقيم ، فلو صدقت في هذه الدعاء، وأخلصت لربك عز وجل، واستفرغت الوسع في طلب الحق، فإن الله عز وجل لا يخيبك ولا يحولُ بينك وبين الهداية، قال شيخ الإسلام من كلام طويل، بين فيه أن الإنسان مفطور على حب الحق وطلبه، لكن قد يخطئه لصارف عنه، فإذا طلبه بصدق اجتهاد وتجرد له فسيهديه الله سبيله، يقول - رحمه الله: «ولهذا تجد جميع الأمم معرفةً بالله فطريةً، فإن أخطأ بعضهم عينَه فاعتقده غير ما هو، فالمقصود الأول هو الله، والقلب مفطور على الحنيفية التي هي الإقرار بالله وعبادته المتضمنة معرفته ومحبته. ولكن قد يَعرِضُ للفطرة ما يغيرها، وإذا كان كذلك، فقد دلّ الكتاب والسنة- في غير موضع- على أن من كان هذا مقصوده، وكان مجتهدًا في ذلك، فإنه يحصل له الهدى، وأن من اتبع هواه فلم يكن الحق مقصوده، ضلّ عن سبيله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، فإن المجاهد في الله لا بد له من شيئين:
أحدهما: محبة الله وإرادته المستلزمة بُغْضَ عدوِّه.
والثاني: الاجتهاد في دفع ما يبغضه الحق ويكرهه، بقهر عدوه، ليحصل ما يحبه الحق ويرضاه بعلو كلمته، وأن يكون الدين كله لله.
فالمجتهد في تحصيل محبوبه ودفع مكروهه، هو المجاهد في سبيله، وهو الذي استفرغ وُسْعَه في ذلك حتى جاهد أعداءه الظاهرين والباطنيين، فيجتمع في المجاهد في سبيله شيئان: كمال القصد، وكمال العمل. فالأول: أن مقصوده هو الله، فهو معبوده ومحبوبه. والثاني: أنه يستفرغ مقدوره في تحصيل هذا المقصود. فهذا يُهدَى سُبُلَ الله. » انتهى من جامع المسائل.
واحذر أشد الحذر من وساوس الشيطان ومكايده، فإنه لا يريده للإنسان الخير مطلقا، وما ذكرته هو من وساوسه الخبيثة.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54581 ، 5608 ، 64890 ، 77988 .
والله أعلم.