السؤال
هل صحيح أنه يتوجب على المصلي يوم الجمعة أن يصلي الظهر أم أن صلاة الجمعة هي الظهر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله لم يفترض على عباده في كل يوم وليلة إلا خمس صلوات، وفي الصحيحين أن الأعرابي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل علي غيرها؟، قال: إلا أن تطوع شيئاً.
وقد أجمع المسلمون على أن الواجبَ في يوم الجمعة على الرجال الأحرار المقيمين هو صلاةَ الجمعة، وأنها تقومُ مقام الظهر في ذلك اليوم، ولكن ذهبَ بعضُ متأخري الشافعية إلى وجوب إعادة الظهرِ بعد الجمعة، ومستندهم في ذلك الاحتياط، إذ ربما اختل شرطٌ من شروط الجمعة، أو تعددت الجمعة في المصر لغير حاجة، فكان تعددها مبطلاً لها، ولا تصح إلا الجمعة السابقة،وإن كان التعدد لحاجة، فإعادة الظهر بعد الجمعة مستحبةٌ لا واجبة عند هؤلاء الفقهاء، وقد ألف الشيخ مصطفي الغلاييني رسالةً سماها :رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة، فند فيها هذا القول، وبين ضعف مستنده بما تحسن مراجعته في الرسالة المذكورة، وقد تكلم العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز على هذه المسألة فأجاد وأفاد، ونحنُ نذكر كلامه بحروفه لتعم الفائدة ويظهر وجه الحق في المسألة، قال رحمه الله رحمةَ واسعة: قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن الله سبحانه لم يشرع يوم الجمعة في وقت الظهر إلا فريضة واحدة في حق الرجال المقيمين المستوطنين الأحرار المكلفين وهي صلاة الجمعة، فإذا فعل المسلمون ذلك فليس عليهم فريضة أخرى لا الظهر ولا غيرها بل صلاة الجمعة هي فرض الوقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والسلف الصالح بعدهم لا يصلون بعد الجمعة فريضة أخرى، وإنما حدث هذا الفعل الذي أشرتم إليه بعدهم بقرون كثيرة ولا شك أنه من البدع المحدثة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه أبو داود.
وقال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري ومسلم، ولا شك أن صلاة الظهر بعد الجمعة أمر محدث ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم فيكون مردوداً ويدخل في البدع والضلالات التي حذر منها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك وممن نبه عليه الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه: إصلاح المساجد من البدع والعوائد، والشيخ العلامة محمد أحمد عبد السلام في كتابه: السنن والمبتدعات، فإن قال قائل: إنما نفعل ذلك احتياطاً وخوفاً من عدم صحة الجمعة، فالجواب: أن يقال لهذا القائل: إن الأصل هو صحة الجمعة وسلامتها وعدم وجوب الظهر، بل وعدم جوازها في وقت الجمعة لمن عليه فرض الجمعة، والاحتياط إنما يشرع عند خفاء السنة ووجود الشك والريب، أما في مثل هذا فليس المقام مقام شك بل نعلم بالأدلة أن الواجب هو صلاة الجمعة فقط فلا يجوز غيرها بدلاً منها ولا مضموماً إليها على أنه عمل يقصد منه الاحتياط لصحتها، وإيجاد شرع جديد لم يأذن به الله، وصلاة الظهر في هذا الوقت مخالف للأدلة الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة فوجب أن يترك ويحذر، وليس لفعله وجه يعتمد عليه، بل ذلك من وساوس الشيطان التي يمليها على الناس حتى يصدهم بها عن الهدى، ويشرع لهم ديناً لم يأذن به الله كما زين لبعضهم الاحتياط في الوضوء حتى عذبه في الطهارة وجعله لا يستطيع الفراغ منها كلما كاد أن يفرغ منها وسوس له أنها لم تصح وأنه لم يفعل كذا ولم يفعل كذا، وهكذا فعل ببعضهم في الصلاة إذا كبر للصلاة وسوس إليه أنه لم يكبر فلا يزال يوسوس له أنه لم يكبر، ولا يزال الرجل يكبر التكبيرة بعد التكبيرة حتى تفوت الركعة الأولى أو القراءة فيها أو غالبها، وهذا من كيد الشيطان ومكره، وحرصه على إبطال عمل المسلم وتلبيس دينه عليه، نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين والعافية من مكائده ووساوسه إنه سميع قريب.
والخلاصة: أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة وضلالة وإيجاد شرع لم يأذن به الله فالواجب تركه والحذر منه وتحذير الناس منه والاكتفاء بصلاة الجمعة، كما درج على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعون بإحسان إلى يومنا هذا وهو الحق الذي لا ريب فيه، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وهكذا قال الأئمة بعده وقبله. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني