السؤال
جميعنا يعلم أن العين والحسد حق، فنرجو التكرم بالنصيحة في هذه الحالة: خطبنا لابننا الفتاة المناسبة ذات الخلق والدين، فطلبت أن تصلي الاستخارة وانشرح صدرها ووافقت، وفى اليوم التالي اتفقنا على التفاصيل ومن ثم عقدنا العقد في المحكمة، وذهب معها، ووالدته واشترى لها ما يلزم من خاتم وغيره، وكما جرت العادة عاد بها إلى بيتنا حيث تناولت الغداء، والخطيبة فرحة جداً، فعلمت إحدى قريباتي أن العروس عندنا، فأصرت على الحضور للمباركة، ونحن نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً منها، وخاضت في حديث لا حاجة له، بل ضايق والدته كثيرًا، وما هي إلا دقائق حتى اصفر وجه العروس، وطلبت من خطيبها العودة لبيتها، وقبل أن تدخل خلعت الخاتم ودخلت غرفتها وأجهشت بالبكاء، وما هي إلا ساعة من الزمن حتى جاء أهلها يطلبون طلاقها، وأن البنت في حالة يرثى لها من الانهيار، وفعلاً تم الطلاق بعد 24 ساعة من الزواج.
ما العمل في مثل تلك المرأة، وخاصة أنها قريبة جدًا لنا، ولا نقدر أن نمنعها من الحضور للمباركة؟ وما العمل لكيلا يتكرر ما حدث؟ مع العلم أن زوجتي قد حسبت لها حساباً، وقرأت الرقى الشرعية، ولكن يبدو أنها لم تصد تلك العين. أفتونا يرحمكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخطأتم ولا شك عندما سمحتم لهذه المرأة بالدخول وحضور هذا الحفل، فإن الظاهر من كلامك أنكم كنتم على علم بحالها وأنها عائنة تصيب بعينها, وقد نص الفقهاء -رحمهم الله- على أن من عرف بهذا ووقع الأذى بين الناس بسببه، فإنه يحبس دفعاً لشره وأذاه.
جاء في زاد المعاد في هدي خير العباد: وقد قال أصحابُنا وغيرُهم من الفقهاء: إنَّ مَن عُرِفَ بذلك -الإصابة بعينه- حبَسه الإمامُ، وأجرَى له ما يُنفِقُ عليه إلى الموت، وهذا هو الصوابُ قطعاً. انتهى.
وجاء في مدارج السالكين: وإذا عرف الرجل بالأذى بالعين، ساغ، بل وجب حبسه وإفراده عن الناس، ويطعم ويسقى حتى يموت، ذكر ذلك غير واحد من الفقهاء، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، لأن هذا من نصيحة المسلمين ودفع الأذى عنهم، ولو قيل فيه غير ذلك لم يكن بعيداً من أصول الشرع. انتهى.
أما الرقية الشرعية، فإنها مؤثرة بإذن الله في دفع العين وغيره, ولكن قد يعرض من انتفاء الشروط ووجود الموانع ما يمنع أثرها أو يضعفه, وإلا فلو كانت من أهل الخير والصلاح واليقين، وكان المحل قابلاً لذلك، واجتمع فيها حضور القلب وثقته بالله وقدرته, فإن أثرها لا يكاد يتخلف حينئذ, أما إذا فقد شيء من هذا، فإن الأثر يكون ضعيفاً، وربما ينعدم، فلا يقوى على دفع شر العائن والحاسد.
يقول ابن القيم رحمه الله: ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية, فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره, فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، وكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء. انتهى.
والله أعلم.