السؤال
هل يجوز الاحتجاج بحديث من وقع في الشبهات وقع في الحرام من قبل الموسوسين للاسترسال في وساوسهم في الوضوء والقراءة ونحو ذلك أخذا بالاحتياط، حيث تطرأ عليهم شبهة في الوضوء، فيضطرون إلى إعادته درءا للشبهات ؟
هل يجوز الاحتجاج بحديث من وقع في الشبهات وقع في الحرام من قبل الموسوسين للاسترسال في وساوسهم في الوضوء والقراءة ونحو ذلك أخذا بالاحتياط، حيث تطرأ عليهم شبهة في الوضوء، فيضطرون إلى إعادته درءا للشبهات ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد
فاحتجاج الموسوس بالحديث المذكور لا يصح، وذلك لأن الشبهات المذكورة في الحديث ، والتي هي بين الحلال والحرام، والممدوح من اتقاها، والملومُ من أتاها لا يدخلُ فيها ما كان من باب الوسوسة بسبيل، وإلا لزمَ منه رمي كلام النبي صلى الله عليه وسلم بالتناقض وحاشاه، فإنه أمر باتقاء الشبهات واجتنابها كما في هذا الحديث، وأمر بالإعراض عن الوسوسة وعدم الالتفات إليها، فقد شُكي إليه الرجل يُخيل إليه أنه يجدُ الشيء في الصلاة فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. متفق عليه.
فلو كان الاسترسال مع الوسوسة من باب اجتناب الشبهات ، لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، ولما أمر بضده .
قال الحافظ في الفتح: وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء: أحدها: تعارض الأدلة كما تقدم، ثانيها: اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى، ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك، رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى، بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته، راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج. اهـ
ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام ، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام ، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه. وهو منزع حسن. انتهى.
وبه تعلم أن أحداً من أهل العلم لم ير الاسترسال مع الوساوس سائغاً محتجاً بهذا الحديث، بل هذا احتجاج من قل نصيبه من الفقه، بل قد نبه العلماء على عكس ذلك، وبينوا أن الاسترسال مع الوساوس من الهوس والاستجابة لتلبيس الشيطان، وليس مأموراً به شرعا.
قال ابن دقيق العيد: وأما إن جوز نقيض ما ترجح عنده بأمر موهوم لا أصل له كترك استعمال ماء باق على أوصافه مخافة تقدير نجاسة وقعت فيه، أو كترك الصلاة في موضع لا أثر فيه مخافة أن يكون فيه بول قد جف أو كغسل ثوب مخافة إصابة نجاسة لم يشاهدها ونحو ذلك، فهذا يجب أن لا يلتفت إليه فإن التوقف لأجل ذلك التجويز هوس والورع منه وسوسة شيطان إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء. انتهى.
ونظير تلك الأمثلة التي ذكرها ابن دقيق العيد ما ذكرته من الوسوسة في أمر الوضوء والصلاة، وفتح هذا الباب يجلبُ شراً عظيماً على العبد، يمتنعُ أن تأتي الشريعة بمثله، فهذه الشريعة السمحة مبنيةٌ على التيسير ورفع الحرج.
وننبه إلى أن الواجب الرجوع إلى كلام أهل العلم، وعدم الاستقلال بالفهم من النصوص، فإن ذلك يؤدي إلى خلل كبير في فهمها، ثم تطبيقها بعد ذلك،نسأل الله أن يوفقنا وإخواننا لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني