السؤال
كنت أملك بناية تجارية، وقد قمت ببيعها لأحد الإخوة هنا في أمريكا. وقد كان البيع بالتقسيط. كان أحد شروط العقد أن يسلمني باقي المبلغ حينما أطالبه به. وبعد إتمام البيع قام الأخ الكريم بتسديد بعض المبلغ. المشكلة أنه بعد فترة من عملية البيع تبين أن هناك حجزا على البناية التي بعته إياها. وهذا الحجز كان بأمر المحكمة لشركة كنت أتعامل معها في السابق. قيمة الحجز 20000 دولار وباقي المبلغ لي عند الأخ الذي اشترى بنايتي 40000 أي ضعف قيمة الحجز؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا تم البيع بالتقسيط فيجب أن تتوافر فيه الضوابط الشرعية لبيع التقسيط، ومن هذه الضوابط أن تكون الأقساط معلومة والأجل مسمى، ويمكنك مراجعة الضوابط الشرعية لبيع التقسيط في الفتاوى الآتية أرقامها: 1084، 4243، 12927، 24963.
فإذا كان من شروط العقد أن يسلمك باقي المبلغ حين تطالبه به -كما ذكرت- فهذا يجعل الأجل مجهولاً ، والأجل إذا كان مجهولاً فإن العقد لا يصح.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما ملخصه: اتفق الفقهاء على عدم جواز التأجيل إلى ما لا يعلم وقت وقوعه - حقيقة أو حكما - ولا ينضبط ، وهو الأجل المجهول، وذلك كما لو باعه بثمن مؤجل إلى قدوم زيد من سفره، وكذا إذا باعه إلى ميسرة، ... لأن التأجيل بمثل ذلك غير معلوم؛ لأن ذلك يختلف فقد يتقدم ويتأخر، ولأن جهالته تفضي إلى المنازعة في التسليم والتسلم ، ولأن الأجل المجهول لا يفيد؛ لأنه يؤدي إلى الغرر.
ويرى الحنفية والمالكية والشافعية، وهو رأي للحنابلة، أنه لا يصح العقد، وذلك لأنه أجل فاسد فأفسد العقد؛ لأن المتعاقدين رضيا به مؤجلا إلى هذا الأجل، وإذا لم يصح الأجل، فالقول بصحته حالا يخالف إرادتهما وما تراضيا عليه، والبيع - ونحوه - يقوم على التراضي، فأفسد العقد.
ويرى الحنابلة في المشهور عندهم أن الأجل المجهول في البيع يفسد، ويصح البيع، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة حيث أبطل النبي صلى الله عليه وسلم الشرط ولم يبطل العقد . اهـ .
وكون البناية عليها حجز فإن كنت تعني أنه تبين أنها كانت مرهونة فبيع المرهون بيع صحيح موقوف على إجازة المرتهن عند الحنفية والمالكية، جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: إذا باع الراهن الرهن بدون رضا المرتهن لا يكون بيعه نافذا ولا يطرأ خلل على حق حبس المرتهن، بيد أنه إذا قضى الدين يصير البيع نافذا. وإذا أجاز المرتهن ذلك البيع يصير نافذا ويخرج الرهن من الرهنية ويبقى الدين على حاله . ويصير ثمن المبيع رهنا مقام المبيع . وإذا لم يجزه المرتهن فالمشتري مخير إن شاء تربص لحين فك الرهن، وإن شاء راجع الحاكم وفسخ البيع بمعرفته . اهـ . وراجع في ذلك فتوانا رقم : 113171.
فإذا كان البيع بالشروط الشرعية والمشتري لا يعلم أن البناية مرهونة - كما هو الظاهر من السؤال – فله الخيار في فسخ البيع، لأن كون العين مرهونة من جملة العيوب التي يثبت بها الخيار ، قال ابن عابدين في حاشيته: وأما المشتري فله خيار الفسخ إن لم يعلم بالإجارة والرهن عند أبي يوسف، وعندهما: له ذلك وإن علم .... بقي لو لم يجز المستأجر حتى انفسخت الإجارة نفذ البيع السابق، وكذا المرتهن إذا قضى دينه كما في جامع الفصولين. اهـ .
وعلى هذا، فالمشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع واسترد ما قام بدفعه، وإن شاء دفع الثمن وانتظر حتى يفك الرهن.
والله أعلم.