السؤال
نرجو معرفة ماهي الضوابط التي يعفى عنها لملامسة النجاسة أثناء معاشرة الزوجة أو مداعبتها، لاسيما أننى في حيرة من أمري، فقد قرأت لفضيلتكم فتوى: من تستمنى زوجها بيدها. وقلتم: إذا نزل المذى فيعفى وذلك للحاجة، وفى فتوى أخرى قلتم: لا يجوز ملامسة النجاسة لغير حاجة. رغم أن كلا الفتويين كانا عن المعاشرة، كما أرجو أن نعلم من فضيلتكم إن كان هناك من قال بجواز المعاشرة حتى لو كانت هناك نجاسة، وللعلم فإننى لم أسأل لأتلطخ بالنجاسة، ولكن الإنسان عند المعاشرة قد تنزل بعض الإفرازات وتأتي على جسده أو يده فلا يعلم هل هي نجاسة أم لا؟ وان كانت نجاسة هل يأثم لملامسته لها أم لا ؟ لذا أرجو الاجابة بصورة واضحة حتى لا يحدث التباس؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس فيما ذكرته تعارضٌ بحمد الله، فإن في بعض الفتاوى جواز مس النجاسة لحاجة، وفي بعضها منع مسها لغير حاجة، ولا تعارض بين هذين الحكمين، بل هما في الحقيقة شيءٌ واحد، ثم إنك لم تذكر أرقام الفتاوى التي أشكل عليك وجه الجمع بينها لكي نزيل الإشكال الحاصل فيها، ونحنُ نحرر لك المقام، ونبسطه بسطاً يزول به عنك وعن القراء الإشكالُ بإذن الله .
فاعلم أولا أن الحرص على الطهارة وتجنب النجاسة أمر حسن مأمور به في الجملة، ويرى بعض العلماء كالمالكية أن اجتناب النجاسة فى البدن فى غير الصلاة مستحب لا واجب، ومن ثم فقد صرحوا بأن إزالة النجاسة عند مباشرة الزوجة والاستمتاع بها لا تجب، جاء في حاشية الدسوقي:
وَالْحَاصِلُ أَنَّ من جَامَعَ ولم يَغْتَسِلْ يُنْدَبُ له أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ إذَا أَرَادَ الْعَوْدَ لِلْجِمَاعِ مَرَّةً أُخْرَى قَوْلُهُ- أو غَيْرَهَا- خَصَّ بَعْضُهُمْ النَّدْبَ بِمَا إذَا أَرَادَ الْعَوْدَ لِوَطْءِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْعَوْدَ لِغَيْرِهَا كان غَسَلَ فَرْجَهُ واجبا لِئَلَّا يَدْخُلَ فيها نَجَاسَةُ الْغَيْرِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ أَنَّ غَايَةَ ما يَلْزَمُ عليه التَّلَطُّخُ بِالنَّجَاسَةِ وهو مَكْرُوهٌ على الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ إذَا رضي بها، وَلِذَا كان الْمُعْتَمَدُ ما مَشَى عليه الشَّارِحُ من الْإِطْلَاقِ.انتهى.
وصرح الشافعية وغيرهم بأن مباشرة النجاسة والتلطخ بها لا تجوز إلا لحاجة، قال الفقيه ابن حجر المكي:
وَكَمَا وَجَبَ السَّتْرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ حُرِّمَ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ خَارِجَهَا. انتهى.
ومن مواطن الحاجة المجيزة للتضمخ بنجاسة المذي مجامعة الرجل زوجته وقد تنجس ذكره بالمذي قبل أن يغسله، إذا علم من عادته أن الماء يفتره كما ذكر ذلك ابن حجر في التحفة وكذا غيره.
ويرى بعض العلماء وجوب غسل النجاسة الخارجة عند الملاعبة ونحوها، وأنه لا يجوز مباشرتها ولا الجماع مع وجودها. جاء في حاشية ابن عابدين:
تَنْبِيهٌ: أَفْتَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِهِ سَلَسٌ فَيَحِلُّ كَوَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ الْجَرَيَانِ ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِإِمْكَانِ غَسْلِهِ ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَوَطْءِ السَّلِسِ.
ولا شك في أن الأحوط والأورع ترك مباشرة الزوجة مع وجود النجاسة، والمبادرة بغسل ذلك وإن كان إيجاب ذلك مع وجود المشقة وعموم البلوى فيه حرج ظاهر، والقول بأن هذه حاجة تبيح مباشرة النجاسة لا يخلو من قوة.
وأما الإفرازات التي تخرج أثناء الملاعبة فإن كانت نجسة كالمذي فقد عرفت خلاف العلماء في وجوب إزالة النجاسة في غير الصلاة، وعليه تنبني هذه المسألة، فمن أوجبها يمنع من لمسها إلا لإزالتها ومن استحبها لم يحرم لمسها، وإن كانت هذه الإفرازات طاهرة كالمني، فإن الراجح طهارته، فالأمر واضح. وملامسة هذه الإفرازات الطاهرة لا تحرم.
والله أعلم.