الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على أمك أن تبادر بالتوبة النصوح من ترك أداء الزكاة ، فإن منع الزكاة إثمٌ عظيم ، وكبيرة من الموبقات ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ {التوبة 34،35}
وقال صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها الا اذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد. أخرجه مسلم.
والواجبُ عليها أن تحسب زكاة ما مضى من السنين فتخرجه جميعاً ، فإن الزكاة دين لله عز وجل لا يبرأ العبد إلا بأدائها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يُقضى. متفق عليه.، والزكاة لا تسقط بالتقادم كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 64462.
ولا يجوزُ لها أن تحتسب ما مضى من نفقتها على عيالها من زكاة مالها؛ لأن نفقة عيالها واجبةٌ عليها في حال عدم وجود الأب أو إعساره ، ولأن النية شرطٌ من شروط أداء الزكاة ، وقد انتفى هذا الشرط.
قال ابن قدامة في المغني: مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة، إلا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال: لا تجب لها النية. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وأداؤها عمل، ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل ، فافتقرت إلى النية كالصلاة، وتفارق قضاء الدين فإنه ليس بعبادة، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه، وولي الصبي والسلطان ينوبان عند الحاجة . فإذا ثبت هذا فإن النية أن يعتقد أنها زكاته، أو زكاة من يخرج عنه. كالصبي والمجنون، ومحلها القلب، لأن محل الاعتقادات كلها القلب. انتهى.
ولا يجوزُ لها أن تحسب ما تنفقه عليكم فيما يُستقبل من زكاة المال ، فإن الزكاة لا تدفع للأصول ولا للفروع لوجوب نفقتهم ، فلو دفع الزكاة إليهم كان بذلك مسقطاً ما وجب لهم من النفقة في ذمته ، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الوالد عاجزاً عن نفقة أولاده ، فيجوزُ أن يدفع إليهم من مال الزكاة في هذه الحال ، وكذا إذا كان الولدُ غارما ، فيجوزُ للوالد أن يقضي دينه من الزكاة. وانظري الفتوى رقم: 26323، ورقم: 120057.
وكذا إذا كانت الأم لا تلزمها نفقتكم بأن كان والدكم موسراً قادراً على الإنفاق ، فإن كان معسراً عاجزاً عن الإنفاق فالنفقةُ واجبةٌ .
قال ابن قدامة: يجب على الأم أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي .. فإن أعسر الأب وجبت النفقة على الأم ولم ترجع بها عليه إن أيسر. انتهى بتصرف.
وأما إن كان والدكم موسراً فنفقتكم واجبةٌ عليه ، فإن امتنع من بذلها ، فالظاهرُ أنه يجوزُ لأمكم أن تدفع إليكم من زكاة مالها ، لأن نفقتكم غير واجبة علها في هذه الحال.
قال الحافظ في الفتح: واحتجوا أيضا بأن ظاهر قوله في حديث أبي سعيد المذكور زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم دال على أنها صدقة تطوع لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره، وفي هذا الاحتجاج نظر لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه. انتهى.
ويتعضد هذا بأن كثيرا من أهل العلم لا يوجبون النفقة على الأم ولو لم يكن الأب موجودا،
وأما والدكم هداه الله ، فعليكم أن تذكروه بحقكم عليه ، وأنه آثمٌ بترك النفقة الواجبة عليكم إن كان موسراً، ولكم أن تطالبوه بهذه النفقة ولو عن طريق القضاء ، ولا يعد ذلك من العقوق كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 120289
قال الشيخ العثيمين: فإن العلماء رحمهم الله يقولون: لا تمكن مطالبة الأب بالدين ، إلا ما كان من النفقة فقط . انتهى.
والله أعلم.