السؤال
بالنسبة للفتوى الموجودة سابقا عن الشراكس وعن أنهم لا يزوجون من غير الملة.
أولا: أنا شركسي، وأقول لكم إننا شعب من الأقليات في البلاد العربية، ونحن لا نزوج من خارج الملة ليس لأننا نرى أننا أفضل من أي ملة أخرى، بل نحن مؤمنون تماما أنه لا فضل لأعجمي على عربي إلا بالتقوى، وكما قلت نحن أقلية، فإن زوج هذا ابنته لغير شركسي، وذاك تزوج غير شركسية فسوف نضيع، ونحن لا نريد أن نفقد وجودنا في هذه البلاد.
والرجاء قبل الإفتاء في أمر أن يعرف المفتي كل شيء حول ما يفتي عنه وإلا فهو لا يصلح للإفتاء؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أشار إليه السائل الكريم من ضرورة فهم المفتي لواقع الفتوى والمستفتي أمر صحيح، قال ابن القيم في (إعلام الموقعين): لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم.
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر اهـ.
ولكن الذي ينبغي أن ينتبه إليه السائل أن الفتوى المشار إليها ـ وهي برقم: 2494ـ قد روعي فيها الواقع كما روعيت فيها الأدلة الشرعية، ولم تُبْن فقط على أنه لا فضل لعربي ولا لعجمي إلا بالتقوى، الأمر الذي ذكر السائل أنه يؤمن به.
وإذا أعاد السائل الكريم قراءة هذه الفتوى فسوف يرى فقه واقع الفتوى في التنبيه على ما قد يقع من ظلم على المرأة وكذلك الرجل، إذا لم يُزوَّج لكونه غير شركسي ولو كان ذا خلق ودين، ومن ذلك ما جاء فيها من التنبيه على مفاسد قصر الزواج على أبناء الطائفة الواحدة، والتنبيه على ما في المقاطعة والحصار الاجتماعي المتبع ضد من يتزوج من خارج الطائفة من نكارة وظلم.
هذا مع ما فيها من أدلة واضحة الدلالة على الموضوع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
ولا يخفى ما بين هذا الحديث وبين الواقع الذي يدافع عنه السائل من التصادم. ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 107673.
ثم إننا ننبه السائل الفاضل على أن قوله: (سوف نضيع ونحن لا نريد أن نفقد وجودنا في هذه البلاد) فيه اعتبار لمصلحة ملغاة شرعا، والمصلحة الملغاة هي كل منفعة دل الشرع على عدم الاعتداد بها وعدم مراعاتها في الأحكام الشرعية، وذلك لانطوائها على مفسدة أعظم منها، أو لأنها تفوّت مصلحة أكبر.
فكل اجتماع على شعار معين ـ غير الإسلام ـ يعقد عليه الولاء والبراء والحب والبغض والتعاون والتنافر والسلم والحرب، فهو مما نهى عنه الشرع الحنيف. والحق أن يكون ولاء المسلم لدينه، ومحبته ونصرته لأهل ملته، دون نظر لوطنية أو قومية أو عرقية.
قال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان): اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام، كالقوميات والعصبيات النسبية، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية، فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية ... وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبا وقبائل هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جل وعلا: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}{الحجرات:13}. اهـ.
والله أعلم .