الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن العجب العجاب أن يماري عاقل في ضرر التدخين وحرمته مع أن الذين يصنعونه يكتبون على علبة السجائر: التدخين ضار جدا بالصحة ويؤدي إلى الموت، ففيم الشك بعد هذا والجدال ؟! وسوف نجيب على هذه الشبهات حذرا من اغترار جاهل بها، فنقول:
أما الشبهة الأولى: وهي أن التدخين شيء ...إلخ الكلام، فنقول نعم الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على التحريم، وهنا ثبتت أدلة متكاثرة على تحريم التدخين لأضراره الكثيرة الثابتة بأقوال أهل الخبرة، والمرئية في واقع الإحصائيات التي تصدرها المنظمات التي تكافح التدخين وجمعيات محاربة السرطان وغيرها، وقد بينا أدلة التحريم في الفتاوى التالية أرقامها فلتراجع: 1671، 1819،32268 .
وأما الشبهة الثانية: أن الضرر المحرم لا يكون إلا إذا كان تأثيره محتماً ومباشراً.
والجواب: من أين لهذا القائل أن الضرر المحرم ما كانت صفته كما ذكر، بل الأصل في المضار التحريم كما ذكر العلماء، سواء أكان الضرر عاجلا أم آجلا ما دام الضرر قد ثبت بقول أهل الخبرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وضرر التدخين بالمدخن وبمن حوله ثابت لا جدال فيه.
يقول الأستاذ الدكتور محمد على البار، عضو الكلية الملكية للأطباء: لا جدال في ضرر التدخين، بل إن تأثير التدخين السيء على الصحة يعتبر الآن أشد من أخطار الطاعون، والكوليرا، والجدري، والسل، والجذام مجتمعة، إن آثار التدخين الضارة على الصحة تبدو مريعة مخيفة إذا أدركنا أن ملايين البشر يلاقون حتفهم في كل عام نتيجة إدمان التدخين. كما أن عشرات الملايين يعانون من أمراض وبيلة تجعل حياتهم سلسلة متصلة من العناء والشقاء، وكل ذلك بسبب التدخين. انتهى.
ثم إن ضرره محتم أيضا ومباشر، فالضرر المترتب على التدخين أنواع: ضرر بدني، وضرر مالي، وضرر نفسي. والمدخن إن لم يتضرر في بدنه في الحال، فإنه ولا بد سيتضرر في ماله الذي يحرقه كلما أحرق سيجارة، وسيتضرر في نفسه باستعبادها للتدخين وعدم استطاعته التخلي عنه إلا بعد مجاهدة للنفس.
وأما الشبهة الثالثة: أن هنالك أموراً مباحة يحرم استخدامها ...إلخ. فهذا قياس فاسد لأن السكر في الأصل من المباحات ومن المنافع والطيبات وإنما منع من كثيره مريض السكر لعلة فيه هو وليست في السكر، وأما التدخين فالأصل فيه أنه من المضار ومن الخبائث، والمعروف في الشرع أن الخبائث يحرم كثيرها وقليلها إذا ثبت خبثها، فالخمر وهي أم الخبائث كما صح عنه صلى الله عليه وسلم يحرم منها القليل والكثير وليس المسكر فقط كما قال صلى الله عليه وسلم: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وقال الألباني: حسن صحيح.
وأما الشبهة الرابعة :أن حكم التدخين الكراهة قياسا على البصل والثوم وقت الصلاة.
فالجواب: أن هذا القياس من جنس قياس من قال: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا. فرد الله عليهم بقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا.{البقرة: من الآية275}.
وكذلك نقول : أحل الله البصل والثوم وحرم التدخين، وكراهة أكل البصل والثوم ليست على إطلاقها في كل وقت وكذلك ليست لضرر في البصل أو الثوم وإنما لكراهة ريحهما فقط، ومن قدر على إزالة الرائحة فلا يكره في حقه. هذا كما فصل شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك فقال : لا يكره أكلها لمن قدر على إزالة ريحها ولا لمن لم يرد الاجتماع مع الناس، ويحرم أكلها لقصد التخلف عن واجب كالجمعة ويجب السعي في إزالة ريحها. انتهى.
وأما التدخين فهو محرم في وقت الصلاة وفي غير وقتها، ثم من الفروق كذلك أن رائحة التدخين لا تزول من المدخن بل هي ملازمة له مادام مدخنا، وهذا دليل إضافي على التحريم لأنه سيمنعه من صلاة الجماعة، أو سيحضر ويخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذي الملائكة والمصلين برائحته الكريهة .
وأما الشبهة الخامسة: أنه ليس كل خبيث محرما بدليل أن البصل والثوم ...إلى آخرها.
فالجواب: أن الخبث في البصل والثوم إنما هو لنتن رائحتهما وليس لضرر فيهما كالتدخين، بل ثبتت لهما منافع طبية كثيرة ومساعدة على الشفاء من كثير من الأمراض بإذن الله، وثبتت إباحتهما بالدليل مع إطلاق لفظ الخبث على رائحتهما، فأين الدليل على إباحة التدخين ؟! وأين المنافع التي فيه؟!
وقد ثبت أن التبغ هو ثاني أكثر أسباب الوفيات الرئيسية في العالم، وكما ذكر السائل لا يوجد في الغالب مدمن إلاوكان التدخين هو ما قاده إلى الإدمان، والتدخين باب رئيس إلى المحرمات الأخرى كالمخدرات وغيرها، وأدلة تحريمه الآن بعد ثبوت مضاره لا يجادل فيها إلا مفتون، وقد حرمت التدخين كل المجامع الفقهية والهيئات العلمية وكل عالم بالشرع فقيه فيه، ولمزيد من التفصيل نحيل القاريء إلى بعض المراجع التي تناولت التدخين وما يسببه من كوارث وكله موثق بإحصائيات وليس بأوهام كما في الشبهات السابقة، ومن هذه المراجع:
التدخين قاتل الملايين إعداد د أحمد محمد بوني، كتاب: التبـغ والتدخين تجارة الموت الخاسرة، وكتاب: التـدخين وأثره على الصحة كلاهما للدكتور محمد علي البار.
والله أعلم.