السؤال
فرغم حبنا للسنة واتباعنا للسلف الصالح، وكرهنا للبدع وتشددنا ضدها، وتحذيرنا منها، فقد نقوم ببعض الأعمال التي لا نرى ثبوتها؛ وإنما نفعلها لاعتبارات وتأولات وأمور تحيط بهذا العمل، مثلا: نحن نعلم أن الدعاء الجماعي للميت بعد الدفن بدعة، رغم اختلاف العلماء في بدعيته وعدمها، لتوسع بعضهم في فهم قوله: استغفروا لأخيكم. وأنه عام لم يخصص بكيفية، وقد قرأنا فتوى لابن باز بجواز الدعاء الجماعي، ولكن رغم هذا فإننا نذهب إلى ترجيح الترك وعدم الفعل وعدم شرعية هذا الدعاء الجماعي، ونرى الترك أولى بالاتباع، ولكن نضطر أحيانا إذا ما أحْرِجنا من أهل الميت، وهم في حالة الحزن والبكاء على المقبرة، ونفوسهم مكلومة، فيطلبون منا الدعاء لميتهم، فلا نستطيع أن نعترض عليهم نظرا لعاطفية الموقف، فندعو لهم وهم يُؤَمِّنون، ويلاحظ التالي:
_ اعتقادنا بأولوية ترك هذا الفعل وبدعيته، وأنه ليس من السنة.
_ أننا جُرِرْنا له تقديرا للظرف العاطفي الذي يصعب معه في هذه الحالة النهي عنه.
_ أننا لم نَرَ هذا الفعل من البدع قطعية البدعية، لوجود خلاف بين العلماء، وتماشينا فيها مع الموسعين في هذا الأمر من العلماء نظرا لدخول الدعاء للميت ولو كان جماعيا تحت الأدلة العامة، ومراعاة للحالة الظرفية الآنِيَّة المحرجة لنا، وليس على الدوام.
_ أننا لا نكرر هذا الفعل وإنما جاء عرضا مرة واحدة أو مرات متباعدة جدا، قد تكون في السنة مرة أو لا تكون، رغم كثرة الأموات..
_ وقلنا لمن يعترض علينا إننا قد لا نملك الشجاعة والقوة النفسية التي تجعلنا نجابه الناس في هذه الحالة الآنية نظرا لما جبلت عليه نفوسنا من خصائص نفسية تجفل عن مواجهة الناس في مثل هذه الأحوال والظروف الإنسانية، وأنتم أيها المنكرون علينا، قد تستطيعون الإنكار وبقوة؛ نظرا لخصائصكم النفسية التي تجعلكم لا تراعون ظرفا ولا حالة، عاطفية كانت أو غيرها، وليس عندكم مانع في تحمل الإحراج وكلام الناس، فعليكم أن تقدروا لنا ضعفنا النفسي هذا، وتتميزوا بشجاعتكم، ونحن ندعو لكم بالتوفيق، ولكنهم لا يقتنعون بذلك، ويرموننا بالابتداع، ويسموننا المبتدعة.
_ قلنا لهم: إننا رغم قناعتنا بترك هذا العمل والذي نفعله نادرا، لتلك الظروف ومراعاة جهل الناس وعدم استيعابهم، لكننا قد نؤجر على تطيب قلوب الناس، ومراعاة حالتهم النفسية الحزينة، ولا نؤجر على البدعة، إن كانت حقا بدعة. لما سبق بيانه.
نكرر أيها العلماء: إننا من أشد الناس على البدع مهما كانت نسبتها، ونحذر منها باستمرار، صغيرة كانت أو كبيرة، اعتقادية أو عبادية عملية، ومنها الدعاء الجماعي للميت على المقبرة، فقد حذرنا منه مرارا وتكرارا، ولكن نُنزل أعمالنا هذه كلها بناء على موازنات واعتبارات في بعض الأحيان، نرجوكم أيها العلماء أن تبينوا هذا الأمر لنا، لأن بعض أدعياء السلفية اللاواعية، وهم شباب لا علم عندهم، ولا فهم بضوابط البدع، ولا مراعاة لأي اعتبار، يشغبون علينا كثيرا ويعدوننا من أصحاب البدع والدعاة إليها، ويحذرون منا، بمجرد فعل هذه البدعة ولو نادرا، والتي نتأول لها كل هذه التأولات...
وقيسوا على هذا ما يفعله بعض المصلين من رفع أيديهم للدعاء يوم الجمعة، رغم إنكارنا هذا وعده بدعة، وترجيحنا لبدعية الأمر، ولكن قد يفعله شخص معين لاعتبار من الاعتبارات، فيشنع عليه أولئك تشنيعا كبيرا ويعدونه من أمور المفاصلة، ويقومون بتشويه سمعته وصورته أمام قرنائهم من الشباب الصغار، وهم كثر، ويتبعون أساليب غير تربوية ولا ذوقية في التنفير حتى من بعض العلماء الكرام أصحاب التوجه السلفي السني الاتباعي، ويعتمد هؤلاء الشباب على بعض الفتاوى من بعض العلماء التي لا يفهم أولئك الشباب ما يحيط بهذه الفتاوى ولا حيثياتها، ويتخذونها حجة في كل هذه المخالفات الذوقية اللاتربوية... فنرجو من أصحاب الفضيلة كلمة الإنصاف والعدل في مثل هذا المواقف، ونحن أحبابنا نحب الحق ونحب الإنصاف ونخضع للدليل رغما عن أنوفنا...، فهل يحق أن نوصف بالمبتدعة، وهل يحق لأولئك الشباب الشغب علينا وتحذير الناس منا، وكأننا من أصحاب الضلالات الكبرى في الأمة، بل وصل الأمر ببعض أولئك الصغار من المقاطعة والهجر وعدم السلام ونشر هذا السمت بين بعضهم البعض، وللأسف ليس لهم علماء كبار أصحاب فهم وعمق علمي، ومقاصدي يردهم للصواب، ويحذرهم من مغبة هذا الأمر. ويزعمون أنهم أصحاب الحق، وأنهم هم الغرباء في هذا العصر، بينما تفتح لهم الأبواب في بلداننا، ويتسلمون كثيرا من الأجهزة وتفتح لهم المنابر وتمنع عن غيرهم من أصحاب السلفية الواعية، ومع ذلك يدعون أنهم أصحاب غربة.
راجين البيان الشافي المدَلَّل عليه، ونأسف للإطالة التي اقتضتها طبيعة المشكلة.