الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مات زوجها فعانت من أهله وأهلها

السؤال

أنا أرملة مهما قلت عن زوجي لن أوفيه حقه، يا رب يكون مثواه الجنة، لكن بعد وفاته رغم جوده مع أهله ومع الغرباء تبدل الحال، أخوه لا يسأل عن أولاده وكان كل همه هو وباقي الإخوة حتى الأب الذي لم يسأل عن أولاد ابنه، ولكن الأدهى من ذلك أهلي لجأت لهم لأول مشكلة قلبوا الأمور وضيعوا حقي، أنا أعرف أنهم غير طيبين في حياة زوجي، لم أكن أتعامل معهم في السنين الماضية، لأن أسلوبهم كله سب وقدف أي أحد، لا يخشون الله في السر والعلانية، أنا منعتهم من بيتي وحاولوا أن يرجعوا لكن أنا منعتهم، وللعلم والدي لا يسمن من جوع، ولست قادرة أن أذهب لأراه، لأنه معهم في البيت، مرة ذهيت إليهم أساءوا الأدب علي، وعمي والجيران قالوا: إخوتك قليلوا أدب، لا تذهبي إليهم. أفيدوني لأن الله وكيلي، لأني لا أجد أي وسيله للتفاهم، ولا أريد أن أكون آثمة أو أتعب أولادي؟ الآن أنا لجأت لحفظ وتجويد القرآن، وكل همي أبنائي ادعوا لي بالله عليكم أن يثبتني الله، لأنه ليس جزاء الحسنة السيئة. وللعلم أنا أفضل الأبناء عند أبي، كلمة دائما يقولها للجميع لكن لست قادرة على الذهاب إليه لأراه، وأنا ما صدقت أن أولادي فاقوا من صدمة وفاه الأب، بالرغم من أننا جميعا لانزال متعبين لكن أفضل بكثير من الأول؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يرزقك الصبر والثبات على صراطه المستقيم، وإنا لننصحك أيتها السائلة أن تقابلي ما كان من أهل زوجك من إهمال لأولادك بالصبر والعفو والتغاضي، واحذري من أن يحملك هذا على شيء مما يغضب الله سبحانه، فلا يجوز لك أن تلقني أولادك بغض أرحامهم أو عداوتهم، فإن هذا لا يجوز، وإذا كان أهلهم قد عصوا الله فيهم بترك صلتهم فلا يجوز أن تقابلوا ذلك بمثل فعلهم، بل ذكريهم دائما بأن جدهم وأعمامهم من الأرحام التي أوجب الله صلتها وحرم هجرها وقطيعتها، وليكن شعاركم دائما قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.

أما ما طلبوه من حق الأب في ميراث ابنه فهذا حقه، ولا يجوز حرمانه منه بل ولا تعطيله عنه بأي حال، فإن الله سبحانه قد تولى قسمة تركة الميت بنفسه في كتابه العزيز ثم قال عقب ذلك: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. {النساء:13-14}.

أما بخصوص أهلك فلا يجوز لك بحال أن تقصري في حقوق الوالدين فإن هذا من أعظم الذنوب وأقبحها، وإن حال إخوتك بينك وبين زيارتهم، أو خفت من زيارتهما في البيت خوفا من أذاهم، فعليك أن تحتالي بطريقة ما لكي تؤدي بها حقوقهما، كأن تلتقي بهما خارج البيت مثلا، مع المداومة على السؤال عليهما بالهاتف ونحوه.

وأما إخوتك فعليك أن تصبري عليهم وعلى سوء تصرفاتهم ولا تقصري في حقهم من البر والصلة فإنهم من رحمك التي أوجب الله صلتها وحرم قطيعتها.

وتذكري قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.

لكن إن زاد الأذى عن حده وبلغ مبلغ الضرر في الدين أو الدنيا فلا حرج عليك حينئذ إذا قصرت معاملتك معهم على ما لا يحصل معه ضرر ولو أدى ذلك لهجرهم إذا لم يندفع ضررهم إلا بذلك.

قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني