الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخفى أن حق الوالد على ولده عظيم، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً. {النساء:36}. وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي, وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ولكن مع هذا فإن البنت إذا تزوجت فقد صار زوجها أملك بها من أبيها، وحقه عليها أعظم من حق أبيها ، وطاعتها له أوجب من طاعتها لأبيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى
فلا يجوز للأب أن يرغم بناته أن يخرجن من بيوتهن لخدمته دون إذن أزواجهن ورضاهم، لأن هذا حرام، خصوصا مع ما ذكرت من استغناء الوالد عن خدمتهن بزوجته وخادمه وغيرهما.
وما دام هذا الأب يملك من المال ما يكفيه ويكفي حاجاته، فإنه لا يجب على أولاده أن ينفقوا عليه شيئا من أموالهم، ولكن يندب لهم الإنفاق عليه تطييبا لخاطره واستئلافا لقلبه.
وأما بخصوص خدمة باقي الأولاد لأبيهم فإنها واجبة عليهم بالمعروف في حدود الوسع والطاقة.
جاء في الإنصاف للمرداوي: ويجب عليه -الولد- خدمته بالمعروف. انتهى.
وينبغي للأب أن يقدر لأولاده جهدهم معه، وأن يشكرهم على ما يسدونه إليه من معروف ويثني عليهم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
وينبغي له أن يدعو لهم دائما بالصلاح في الدين والدنيا فإن دعوته لهم مستجابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.
وقد كان من عادة الأنبياء والصالحين الدعاء لذرياتهم فقد قال إبراهيم الخليل: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ. وبين سبحانه ما ينبغي أن يكون عليه حال الوالد من الدعاء لذريته وذلك في قوله سبحانه: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي. {الأحقاف: 15}.
جاء في تفسير الألوسي: أي اجعل الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم. انتهى
وفي صحيح الأدب المفرد أن عبد الله بن مسعود، يكثر أن يدعو بهؤلاء الدعوات: ربنا أصلح بيننا، واهدنا سبل الإسلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرّياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قائلين بها، وأتممها علينا.
ولكن مهما حدث من الأب من جفاء مع أولاده فلا يسوغ أن يحملهم هذا على عقوقه أو التقصير في حقه، بل عليهم أن يجتهدوا في بره ويبتغوا بعملهم وجه الله سبحانه وينتظروا منه وحده سبحانه الجزاء.
والله أعلم.